جوليا.. تُغنّي الحق شمساً والحرية هواءً
لمّا نـَزَل سكارى.. فما بين الولدنة والجدّ نستنشقُ نفَساً من أنسام الحريّة، وملاك حرّيتنا الحارس تغادر بهدوء كي لا تزعج جلسة ثـَمَلنا. نقاوم قصص الماضي الغريبة، ونتمنّى رؤية الحبيب، فلا ننال مرامنا لا في الأحلام ولا في الأوهام. نثور ونغضب ثمّ نقول: إلَك حساب وإلنا الله.. وندركُ متأخّرين أنّ شمس الحقِّ قد غابت، مع أنّنا على ما يبدو تعوّدنا عليها.. أمّا في دمشق وأمام أكثر من 6 آلاف عاشق يهتف باسمها المتسربل بعطر الجنوب، أضاءت ليل قلعة دمشق وجعلته كوناً مليئاً بالشّموس وفضاءً للثـّورة والحياة....
لقد كانت حفلتا جوليا في قلعة دمشق (احتفاليّتين) للحبّ والثـّورة، ولألوان الحياة وأطيافها اليانعة، فحملها قلب دمشق الواسع بخفّة، واستقبلها جمهورها السّوريّ بحنين لا يجابهه إلاّ حنين جوليا نفسها، والّذي سطع لحظة إطلالتها: «اشتقت لكم أيّها النّاس الطيّبين شوقَ عامين وأكثر»، لتفتتح جلسةَ أُنسها بكلمات قليلة وابتسامة خجولة، جاءت ترجماناً لما يعتمل في أرواحنا من خليط المشاعر الدّافقة.
وقفت أمامنا، وأبرمت معنا اتّفاقاً: «غنّوا معي، واسمعوا جديدي وأحبّوه كما أنا أحببته»، ولكنّنا نحن الّذين كنّا أبداً مخلصين لفنّها، لسنا بحاجة إلى هذه الدّعوة، فسنردّد أغانيها باللاّوعي دون استئذان، لأنّها حيّة في خلَدنا ترعرعنا عليها، فعرفنا الحقّ شمساً والحرّيّة أوكسجيناً، والحبّ قصصاً تُنسج من أشياء غريبة. سيّدة الحريّة كانت بين أحبّائها، شدوْنا معها، وتمايلنا على أنغام حبّها، وهتفنا بحياة حبيبها لبنان، هي الّتي لم تكفر لمرّة واحدة بإيمانها به، غنّت لألمه ولم تُنكره في أيّامه السّود، وأعلنته حبيباً دائماً في السّلام، حتّى افتتحت احتفاليّتها بأغنية له «يلّي بحبّو كتير»، تبعتها مجموعة من أغانيها القديمة والحديثة- خاصّة ألبوماتها الثـّلاثة الأخيرة- إضافة إلى أغانٍ جديدة تقدّمها لأوّل مرّة: «إلك حساب»، «على ما يبدو» الرّائعة في كلماتها وألحانها والقريبة من أسلوب زياد رحباني، والأغنيتان كلمات: فادي الرّاعي: «خلَص انتهينا» الّتي قالت جوليا عنها: «رايقة وبدها سَمَع». الأغنية كلمات: رفيق روحانا والألحان لشقيق الرّوح زياد. ومن أغاني الثـّورة أيضاً: «أحبّائي- نقاوم- الثورة والغضب - بتنفّس حريّة..» والحبّ «لا بأحلامك- شي غريب- قصص- تعوّدنا عليك..»، كما غنّى لها الكورس خلال فترتيّ الاستراحة «قلنا مزحة- شو بدّك». وقد تميّز الحفل بوجود خلفيّة تعرض نوعاً من المؤثـّرات المناسبة لكلّ أغنية، حيث تمرّ صور جوليا مع لقطات من كليبّاتها القديمة والحديثة وصور مؤثـّرة تخدم العمل، فتُدخلنا تماماً في الجوّ الموسيقي العام.
- كانت تغنّي لنا فقط تخصّنا بنظراتها، حتّى مَن لم يجد مقعداً فجلس على السّور شعر بأنّها تغنّي له، متناسيةً مَن أمامها مِن الـVIP القابعين داخل حاجزهم الحديديّ كالمساجين، لنكون نحن الأحرار يدفئنا شروق شمسنا وألقها، فمضى الوقت سريعاً ما بين الهتاف والغناء. ثمّ قرّرت المغادرة فتمسّكنا بها وناجيناها «بكّير بكّير» فعادت لتغنّي «انتصر لبنان»، ومرّة ثانية لتشدو «أحبّائي»، وفي المرّة الثـّالثة كان الجميع يصيح «غابت شمس الحقّ» الّتي لم يتمّ تحضيرها، لذلك دعتنا لغنائها معها فكنّا كلاًّ واحداً، لتختتم الحفل بعد أن تلقّينا منها تصفيقاً حاراً، تبعه تحيّتها للفرقة الموسيقيّة وعازف البيانو ميشيل أبي نادر والمايسترو هاروت فازليان، ثمّ غابت بهدوء وعذوبة، لنستفيق مخدّرين من حلمنا الّذي ولجنا فيه إلى عالمها المسحور، كأنّنا فعلاً وعلى ما يبدو قد تعوّدنا عليه..
كان واضحاً أنّ مهام عناصر التّنظيم كلّ شيء غير التّنظيم، كالصّراخ في وجوهنا والتقاط الصّور أحياناً، حاجبين الرّؤية نتيجة وقوفهم بقاماتهم المهيوبة- رغم منعهم لوقوف أحد من الجمهور- والمهمّة الأبرز كانت منع الدّخول إلى المنطقة المحرّمة ضمن الحاجز الحديدي الفاصل بيننا نحن النّاس العاديّين والـ VIP!!.
كان من المستغرَب وجود شباب يجهلون من هي جوليا بطرس!!، أو لا يعلمون أنّها هي من تغنّي (غابت شمس الحق)! وكان هذا جليّاً عندما يسأل أحد الشّبان: دخلَك شو كنية جوليا هَي؟ وثانٍ يتساءل: شو بتغنّي غير (وين الملايين)؟. وثالث يطلب: دخلك حفّظني شي غنيّة لإلها قبل ما نفوت!!.