العصيان المدني.. الطريق الوحيد
خاص قاسيون
لم تحدث استجابة واسعة لدعوة إضراب 4 مايو، وهو يوم بلوغ مبارك 80 عاماً من العمر. كانت الاستجابة محدودة لا يمكن مقارنتها بإضراب 6 إبريل، وانحصرت بمدينة المحلة الكبرى وبعض المظاهر المحدودة في أماكن أخري.
كانت الدعوة لإضراب 4 مايو موجهة أساساً من جماعات شباب الـ«فيس بوك» بعكس إضراب 6 إبريل الذي وجهت الدعوة إليه من العمال (المحلة بوجه خاص) وقوى سياسية من خارج إطار الأحزاب الرسمية القائمة، تسعى لبناء ائتلاف سياسي يشمل قطاعات من الناصريين والشيوعيين والإسلاميين وحركة «كفاية» والحركات الاحتجاجية المتنامية في البلاد.
قبل وأثناء وبعد إضراب إبريل الناجح عبأت الطبقة الحاكمة كل قواها الإعلامية والأمنية كما استخدمت الفتاوى الدينية للوقوف ضد الإضراب كوسيلة سلمية لا تملك الجماهير غيرها، وانضمت إلى أبواق الحكومة (باستثناءات محدودة) كل الأحزاب الرسمية وكذلك جماعة الإخوان المسلمين. وتم توجيه كل السهام إلى جماعات الـ«فيس بوك» التي تمثل ظاهرة جديدة إيجابية ينبغي تشجيعها والتواصل معها، إذ صنعها شباب غاضب وغير منتم للأحزاب السياسية ولكنه يتحلى بالإخلاص للوطن، وهكذا عكست التعبئة الحكومية مدعومةً من الجماعات المتخاذلة اليمينية والإصلاحية المنضوية تحت جناح الطبقة الحاكمة وسياساتها التخريبية. عكس كل ذلك حالة الرعب والفزع من التحركات الجماهيرية السلمية.
إضاءات
تجدر الإشارة لبعض الأمور:
الأول: أنه بعد المواجهة شديدة العنف والشراسة في محاولة كسر إضراب 6 إبريل، حيث مايزال العشرات في المعتقلات حتى الآن رغم إفراج النيابة عن بعضهم، وفي هذا الفاصل الزمني القصير بين الإضرابين، لم يتم الإعداد الجيد للإضراب الجديد ولم يتم التواصل بين الجماعات السياسية الحاملة لراية النضال الشعبي وبين الحركات الاحتجاجية ومن بينها جماعة شباب الـ«فيس بوك».
الثاني: أن إضراب 6 إبريل كان متعقلاً منذ البداية بمطالب محددة لعمال المحلة طوروها هم أنفسهم لتكون لصالح العمال جميعاً، وهي مطالب اقتصادية تتعلق بالأجور وتدني مستويات المعيشة. أي أنه كان إضراباً تحدد هدفه في المصالح المباشرة للكادحين.
الثالث: هو قرار زيادة الأجور بنسبة 30 % عشية الإضراب حيث كان الإعلان عنه ملتبساً لم تتكشف إبعاده ونتائجه المحدودة الأثر سوى مؤخراً. فالزيادة محسوبة على الراتب الأساسي الذي يمثل الجزء الأقل من الراتب، ولا يمتد للغالبية الساحقة من الناس.
الأساس الموضوعي للعصيان المدني قائم
بالرغم مما سبق فإن الأساس الموضوعي لاستمرار الإضرابات وتصاعدها وصولاً إلى العصيان المدني قائم ويتجذر في الواقع بفعل إصرار الطبقة الحاكمة على استمرار سياساتها المعادية لمصالح الغالبية الساحقة من المصريين.
دراسات جادة أكدت أن 80 % من سكان الريف المصري يعيشون تحت خط الفقر وحوله. البطالة تتفاقم وتزداد عبر اقتلاع مئات الألوف من العاملين في الشركات التي تم بيعها تحت مسمى المعاش المبكر ومثلهم من الوحدات المتبقية ولم تبع حتى الآن، ويضاف إليهم مئات الألوف ممن يبلغون سن العمل كل عام.
الأزمات المتفاقمة دون حلول جذرية لأن الحلول الجذرية مستحيلة في ظل بقاء هذه السلطة. ماتزال طوابير الخبز قائمة. رئيس الجمهورية نفسه أعلن بعد علاوة الـ30 % أن الموارد الحقيقية غير متوفرة لتمويلها.
نتيجة للأزمة الشاملة يتم تمويل زيادات الأجور عبر رفع الأسعار بمعرفة الدولة (السجائر والمحروقات مثل الكيروسين والسولار والبنزين.. الخ زادت بنسب تصل إلى 50 %) وتم فرض زيادات على أسعار بعض الخدمات التي تقوم بها الدولة (مثل تراخيص السيارات والقيادة) وتتولى قوانين ما يسمى السوق (أي فوضى السوق وعملية النهب) دورها في رفع الأسعار إما نتيجة التضخم أو نتيجة فرض الأسعار الاحتكارية مثلما حدث بالنسبة للحديد والأسمنت. أي أن الطبقة الحاكمة في كل الأحوال لا تتحمل شيئاً من أعباء هذه الزيادة بل هي المستفيدة منها عن طريق امتصاص أضعافها، ودون أي مساس بالنهب المقنن الذي تقوم به هذه الطبقة.
جرائم ترتكب
إن الطبقة الغاصبة للثروة والسلطة لا تحاول إبطاء اندفاعها في سياساتها التخريبية. إذ بدأ الضخ الفعلي للغاز المصري عبر الأنابيب إلى العدو الصهيوني- لم تعرض الاتفاقية على مجلس الشعب في انتهاك فاضح للدستور- في حين أن وزارة البترول تشتري الغاز الذي يستخرج من أراضينا والذي يعتبر ثروة قومية، تشتريه من حصة الشريك الأجنبي للسوق المحلية بثلاثة أضعاف سعر تصديره لإسرائيل. إذا يصل سعر مليون وحدة حرارية إلى 4,5 دولار في حين أن سعر بيع الكمية نفسها لإسرائيل نحو 1.5دولار، رغم أن تكلفة إنتاج هذه الكمية لا تتجاوز الـ70 سنتاً. كما أن ما يعادل برميلاً واحداً من البترول أي5,6 مليون وحدة حرارية بسعر بيعه لإسرائيل يساوي7,4 دولار، في حين أن سعر برميل البترول قد تجاوز 100 دولار. وتعمل الحكومة على التوسع في استخراج الغاز مما يهدد بنفاد الاحتياطي المحقق قبل مرور 20 عاماً. أي أن ثروات البلاد الطبيعية لا يتم هدرها فحسب بطريقة وحشية، وإنما هي في واقع الأمر تقدم دعماً هائلاً لاقتصاد العدو الصهيوني... فمن المستفيد من ذلك من المصريين؟! إنهم بلا شك العملاء المحليون لرأس المال الإمبريالي والصهيوني.
بل ويتردد أن مساحة هائلة من الأرض الصالحة للزراعة والكائنة في موقع إستراتيجي هام قرب القاهرة وتقدر بمساحة 36 ألف فدان أي ما يزيد عن 150 ألف دونم، قد بيعت بليل وفي سرية تامة ويناقش قانون طرح أسهم الشركة الأجنبية المشترية في أحد البورصات العربية دون أية معلومات عن هذه الصفقة أو عن موافقات الجهات التي قررتها أي أنها صفقة مريبة ومجهولة، وللأسف الشديد سوف يتم استثمار هذه الأرض في البناء وليس في الزراعة في بلد يعاني فجوة غذائية هائلة ومتصاعدة ستصل حتماً إلى حد المجاعة. ويقدر خبراء أن أرباح هؤلاء المستثمرين المجهولين بما يجاوز 800 مليار جنية مصري أي أكثر من 160 مليار دولار. فمن هو المستفيد من هذه الصفقة ومن هذا التخريب المتعمد للاقتصاد وللوطن؟.
الطريق الوحيد
هذان نموذجان للسياسات المتبعة والتي لا يمكن إطلاقاً إنجاز أي إصلاح أو تجاوز للأزمة في ظلها. والتي تعمق الأساس الموضوعي للنضال من أجل مستقبل ووجود الوطن بالعصيان المدني رغم أن السلطة تعمل على إغلاق طريق التطور السلمي. وهو ما يضع تساؤلاً مشروعاً: أي طريق تسير فيه بلادنا؟
في كل الأحوال، إن التطورات الأخيرة تؤكد أن عجلة الحركة الجماهيرية قد دارت، وأن ثقافة «الإضراب» و«العصيان المدني» قد بدأت في التبلور وهو ما يقتضي بذل جهود خارقة من أجل تجاوز ضعف العامل الذاتي، ببناء ائتلاف سياسي يملأ الفراغ الموجود ويسهم بدور أساسي في إنقاذ الوطن.