ر. عبدو فتوني: «من الصعب أن ينهض بلد يكون مختلفاً على تحديد العدو»

الرفيق عبدو فتوني، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني، كيف تقرأ ما جرى اليوم في بيروت؟

الوضع اللبناني متوتر أساساً، تعرفون أن معركة تموز 2006 كانت معركة مشرفة شكلت هزيمة كبرى لإسرائيل، وهذا ما دفع إلى تشكيل مجموعات للمشروع الأمريكي تجمع القوى «المعتدلة» في لبنان وغيره لتحارب قوى الممانعة، والتي تسميها أمريكا «قوى الشر والإرهاب».. وهي تسمية تشمل كل من يمانع المشروع الأمريكي، أو إن صح التعبير.. كل من يطلق طلقة على إسرائيل من أجل تحرير الأرض فهو «إرهابي».. وبالتالي هم يجمعون–لكل المنطقة- اسماً مستعاراً لبعض أنظمة المنطقة لتسميها القوى المعتدلة.. وهي معتدلة بماذا؟! بإنقاذها المشروع الأمريكي الإسرائيلي.. وهي «تناضل» ضد «الإرهاب» الذي يمارسه من يبحث عن حلول جدية من أجل تحرير الأوطان الذي يعد حقا شرعياً بكل المقاييس..

ثانياً: الذي حدث قبل عدة أيام في لبنان هو أن ما يسمى بقوى «ثورة الأرز» المرتبطة بالكامل مع المشروع الأمريكي والتي باتت جزءاً من القوى المعتدلة في المنطقة جاءت لتحاسب القوى المناهضة لهذا المشروع.. وقد صدر القرار قبل يومين بالتضييق على المقاومة، وإفساح المجال ليدخل إلى المطار كل من هو ضد المقاومة، من الأمريكان إلى كل الغرب، ليدخلوا السلاح وحتى الآليات... وكانت المعارضة متيقظة لأن لا تنجر إلى معركة داخلية.. وعلى الرغم من أن الأمور تتراكم، إلا أنه لم تجر معارك بالشكل الذي يحاولون تصويره في الإعلام.

من الطبيعي، رفيق عبدو، أنه لا يمكن فصل السياسي عن الاجتماعي والاقتصادي، ولكن أساس التحرك اليوم كان مطلبياً عمالياً.. ومن الملاحظ أن الوضع اللبناني- وقد لا يكون لبنان استثناءً وحيداً ولكنه كان يشكل «واحة ديمقراطية سابقاً»- يلاحظ أن هناك دائماً تغييباً للقضية الطبقية الجامعة في دهاليز الاصطفاف الطائفي والسياسي..؟

نحن كحزب في كل طروحاتنا وبياناتنا أعلنا أن هناك وضعاً اقتصادياً صعباً يتفاقم في ظل حكومة آخر همها كل هذه المسائل، فهي تزيد الضرائب.. توقف الدعم عن المواد التي بحاجة للدعم. وترفع القيمة المضافة، ترفع سعر البنزين كل يوم 500-600 ليرة.. كان آخرها اليوم..

نحن قمنا بتحرك مهم جداً.. الحزب الشيوعي والقوى اليسارية في لبنان قامت بمظاهرة هامة في الأول من أيار تحولت إلى مهرجان وسبق ذلك سلسلة من الندوات في مختلف المناطق اللبنانية وهي قيد الاستكمال، ونحن نعتبر الجانب الاقتصادي هام، ويسبق كل الاعتبارات الأخرى وصحيح أنه لا يمكن فصله عن السياسة.. والأولويات لدينا كحزب هي القضية السياسية الوطنية والقضايا الاقتصادية، فهما صنوان لا ينفصمان.. وفي كل الأحوال فإن تردي القضية الاقتصادية الاجتماعية ينسحب على المنطقة العربية التي لا تستفيد من الطفرة النفطية بشيء، التي تذهب إلى أمريكا...

... طبعاً وهناك ميل عالمي نحو إزالة نظم الحماية الاجتماعية في دول العالم وتحديداً في دول العالم الثالث...

هذا صحيح تماماً، أما تظاهرة اليوم فقد منعت وحوربت بالرصاص بحجة أنها «تسيست»! فماذا يفصل السياسة عن الاقتصاد..؟!

الناس في لبنان جائعون.. والمأساة الاقتصادية كبيرة لدينا، والقرارات التي اتخذتها الحكومة هي عشوائية وغير مدروسة وتشكل قرارات حرب في لبنان في ظل هذا الانقسام الحاصل، ونحن عبرنا عن موقفنا وقلنا لهم: أنتم ستفجرون البلد.

ولكن ما هي آفاق التحرك المطلبي، وآفاق الوضع السياسي..؟

نحن جزء لا يتجزأ في أي تحرك اقتصادي على الساحة اللبنانية، وندعم أي تحرك في سبيل مصلحة العامل والفلاح.. فهذه قضيتنا الطبقية كشيوعيين، ونحن موجودون في كل المناطق اللبنانية ونرفض أن يجري منعنا عن أي مكان في لبنان.. فبإمكاننا إغلاق الشوارع أيضاً..

أما الوضع السياسي فقد أصبح جزءاً من القضية العربية والدولية لأن الأمريكيين يبشرون الشعب العربي بنشر الديمقراطية، كما بشروا بها في العراق، وبما يسمى بثورة الأرز في لبنان، والتي أصبحت جزءاً من فرمانات «وولش» قبل ثلاثة أسابيع أو كما حصل في تموز عندما جاءت «رايس» وأعطتهم قراراً «بالهجوم» على كل من يقاوم أو حتى «يعتبر» إسرائيل عدواً..

..بمعنى المحاكمات على الرأي..

نعم، ولدينا في لبنان مشكلة.. أن هناك طوائف ومذاهب. وهي ليست بسيطة.. فالمواطنية تتراجع أمام الانقسام الطائفي والمذهبي.. وهذه بدورها أيضاً تثير ضبابية أكثر.. قضيتنا مرتبطة بالخارج.. هم يتدخلون من التدويل إلى الدعم.. وحتى وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل فضّل تدويل لبنان، وبالفعل يجري العمل على ذلك...

بالأحرى هذه نقلة أخرى.. فالتدويل قائم في لبنان عملياً ولكن يبدو أن هناك نقلة باتجاه مستوى آخر منه..؟

نعم، وعلى كل حال، وبين قوسين، إذا  نظر المرء إلى عدد قرارات مجلس الأمن بخصوص لبنان خلال السنتين الماضيتين ولم يكن ملماً بالجغرافيا فيمكنه أن يتصور أن لبنان، مساحة وسكاناً، يعادل الصين..!

طبعاً واشنطن والغرب يستخدمون لنبان كورقة للضغط على كل الأطراف التي يسمونها «إرهابية» من لبنان، إلى سورية، وحماس، وحزب الله، وكل القوى التقدمية واليسارية في المنطقة.. هذا الموقف واضح- وبرأينا أن هناك صعوبة بالموقف الآن.. وقد تطول هذه الأزمة إلى أوائل 2009.. وعلى اعتبار أن موعد الانتخابات في لبنان هو أيار أو حزيران من عام 2009 فقد طرحنا مبادرة لتشكيل «حكومة انتقالية» لمدة ستة أشهر تتولى تنفيذ مهمة واحدة تتمثل في التحضير لانتخابات بقانون انتخابي يكون فيه لبنان دائرة واحدة على قاعدة النسبية كما ورد بالطائف. ونحن نجمع القوى التقدمية واليسارية على هذا الأساس من اجل تشكيل لجنة لإلغاء الطائفية، إذ يستحيل أن ينهض هذا البلد في ظل هذا الانقسام المذهبي والطائفي وإلا ستتكرر الهزات كل عشر سنوات..

بهذه الحالة لا يوجد مخرج فعلي للوضع في لبنان حتى وإن لم يكن آنياً أو مرحلياً، سوى بالخروج من دولة الطوائف إلى دولة المواطنة، دولة قانون المواطنين، لا الطوائف؟

بالفعل نحن هكذا رأينا.. وصوتنا يرتفع على الرغم من التعتيم الإعلامي.. بعض الأحيان نعبر عن آرائنا عبر الإعلام.. بالفعل من الصعب أن ينهض بلد يكون مختلفاً على تحديد العدو... وآليات التعامل معه.. واحد يقول إن سورية هي العدو والثاني يقول إسرائيل، وهي العدو الحقيقي... فإذا كان هناك خلاف على المسلمات والأولويات والأساسيات.. أو أن تسمع اليوم من يقول بيروت لنا وآخر يقول صيدا لنا... وبالأساس ما هو إجمالي مساحة لبنان..؟

هل تودون إضافة شيء رفيقنا العزيز..؟

نوجه إليكم تحية كبيرة.. وبرأينا أن المخرج من هذه الأزمة في لنبان هو تجميع اليسار.. وسبق أن بحثنا هذا الموضوع سويةً وكانت اللقاءات هامة، وهذه دعوة لكل القوى اليسارية والديمقراطية بالمنطقة لتعيد تشكيل قوتها من جديد لأن الهجمة عبر (مشروع الشرق الأوسط الجديد) خطرة جداً وعلى الجميع وهي تطال كل الأقطار العربية، خاصة التي تغرد خارج سرب محور «الاعتدال»، وهو اسم على غير مسمى..

..هو محور «الاعتلال».. والأساس في وحدة اليسار هو وحدة الشيوعيين التي ستشكل رافعة حقيقية لوحدة اليسار..

نعم لأنه يستحيل توحيد اليسار دون أن يشكل الشيوعيون طليعة في ذلك، والأقرب هو أن نعمل نحن معاً على هذا الأساس. وتحية لكل الرفاق في تنظيمكم..

ونحن نتمنى أن نلتقي قريباً في دمشق..