العميد م أمين حطيط: «قرارات حكومة السنيورة أسقطت كامل أقنعتها»
سيادة العميد، تبدلت عناصر المشهد في بيروت اليوم.. فما قراءتك لما جرى؟
الذي ينبغي أن نشدد عليه أن انطلاق هذا الإضراب اليوم كان تحت عنوان مطلبي محض، وقد تجنبت المعارضة إقحام السياسة في المطالب الاجتماعية واتخذ جميع أقطابها قراراً بعدم اتخاذ أي موقف سياسي رداً على قرارات الحكومة غير الشرعية والتي تعتبر بمثابة إعلان حرب على المقاومة وعلى إحدى الطوائف الكبرى في لبنان.. وقرروا تأخير الرد لتمرير هذا الإضراب.. ولكن هال جماعة السلطة نجاح الإضراب بالشكل الذي حصل فيه، إذ رغم كل عملهم المخابراتي والأمني والتهديد والترغيب، استجابت كل القطاعات في لبنان لدعوة الإضراب. وكان مقرراً أن تنطلق مظاهرة في ظهيرة الأربعاء بقيادة الاتحاد العمالي العام تسلك الطريق من مستديرة مشفى البربير مروراً بكورنيش المزرعة وصولاً إلى مارالياس ثم انعطافاً باتجاه شارع الحمراء.. وتجنب الاتحاد العمالي الذهاب إلى السراي ومحيطها وتوجه إلى مصرف لبنان حيث العنوان الرمزي للمسألة المالية...
..على أن يكون المرور في كل مناطق لبنان على أساس أن القضايا المطلبية هي قضايا جامعة لكل المواطنين..
نعم، المسألة مسألة لبنانية مطلبية، لأن الجوع والفقر ليس لهما هوية. الجميع جياع، لكن هذه السلطة التي هالها نجاح الإضراب هالها أكبر نجاح التظاهرة فأوعزت إلى مرتزقتها.. ولا أسميهم «ميلشيا» كما يخطئ الإعلام، لأن الميليشيا ذات رسالة وهدف.. ولكن هؤلاء الذين يحملون السلاح هم مرتزقة آل الحريري ليحموا عروشهم وثرواتهم التي نهبوها من البلاد.. والجميع يذكر أن رفيق الحريري دخل إلى لبنان ومعه أربعة مليارات دولار، وقتل ومعه ستة عشر مليار دولار.. وهذه المليارات الـ12 جناها من عرق ودم المكلفين اللبنانيين.. يكفي السرقات التي حصلت في «السوليدير»
لذلك فإن هذه المرتزقة التي نظمتها سلطة (بيت الحريري) اعتدت على المواطنين وبدأت منذ الصباح بإلقاء القنابل الصوتية، ثم القنابل المتشظية، تم استهداف الناس بالرصاص.
أمام هذا الواقع كان الاتحاد العمالي أمام واحد من موقفين: إما أن يمضي قدماً بمظاهرته ويتحمل خسائر بشرية في الأرواح، أو أن يحقن الدماء ويتراجع عن التظاهرة اليوم ليؤجلها إلى يوم آخر. فاختار الحل الثاني، ولكن ما أن أعلن الاتحاد العمالي العام هذا الموقف حتى تغير الحال بالنسبة لجماعات السلطة التي حاولت تعميم الفوضى في الشوارع وتصعيد الوضع ليظهروا أنفسهم كأنهم كسروا الإضراب وأن الاتحاد العمالي والأحزاب المعارضة التي دعمت الإضراب لا تملك سيطرة على الشارع. هنا تغير الحال وانقلب السحر على الساحر، ومع قطع الطرقات من قبل المرتزقة، كانت هناك حركة من المواطنين الذين تأذوا من همجية هؤلاء المرتزقة وهبوا إلى إخراجها من مكاتبها. ونعتبر في هذه الخلاصة الموجزة أن السلطة اقتحمت على المواطنين لقمة عيشهم ثم استفزتهم في كراماتهم ورواتبهم حاولت أن تستفزهم بأمنهم وسلامتهم، فارتدّ الأمر عليها، والآن هي في حال ذهول لما يحصل، وبدل أن تتراجع على الأقل لفظاً عن غيّها، يبدو أنها ممعنة في التصعيد، وبدل أن تقول لنعطِ الاتحاد العمالي مطالبه ولنحاور المعارضة على مطالبها السياسية التي لم تقل كلمتها بعد فيما يتعلق بالقرارات اللاشرعية لهذه الحكومة.
ما هي توقعاتك بخصوص مسار الاجتماع المطلبي؟
أعتقد أنه حقق غايته، وكان الاتحاد العمالي قد دعا لإضراب يوم واحد وقد انتهى بنجاح والأمر متروك للاتحاد العمالي العام أن يقيم نجاحه وأن يتابع، ولكن المسألة في لبنان ليست الاحتجاجات المطلبية فقط، فهي جزء من المشكلة الأساس وهي المشكلة السياسية التي تتمحور حول سياسة هذا الفريق التي انتهجت منذ قيامه واستئثاره بالملف الاقتصادي- الاجتماعي- المالي منذ عام 1993. والكل يعلم ذلك التفاهم الضمني بين من جاء إلى الحكم بنتيجة اتفاق الطائف على فصل الملفات في لبنان بين ملف أمني سياسي عسكري.. وملف اجتماعي اقتصادي مالي.
الملف الاقتصادي المالي استأثر به رفيق الحريري وأوكل بشكل رئيسي إدارته إلى فؤاد السنيورة منذ عام 1993، والسنيورة بخطة محكمة وفقاً لاتصالاته الخارجية، قاد البلاد إلى حيث وصلت الآن، فاستلم الملف الاقتصادي والبلاد تتحمل أعباء ديون خارجية وداخلية قيمتها مليار و200 مليون دولار وأوصل البلاد بعد هذه السنوات إلى مستوى دين هو 51.5 مليار دولار، لم يصرف منها لمصلحة لبنان وإعماره إلا سبعة مليارات، والباقي إما خدمة دين أو لعب بالنقد أو هدر وسرقة. ولكن هذا يتحمل مسؤوليته الفريق الذي استلم الملف الاجتماعي والمالي الاقتصادي المعبر عنه من قبل الحريرية السياسية التي استلمت البلاد منذ عام 1993.
ولكن اللافت الآن هو توقيت الطرح الحكومي الحالي، فما هي ارتباطات ذلك لبنانياً وإقليمياً ودولياً؟
هذه العصابة الحاكمة الآن اصطدمت بخواء الوعود الأمريكية، فالأمريكيون وعدوها بحرب ضد إيران تقصم ظهر الجمهورية الإسلامية وبالتالي ينهار كل من تسند من المنظمات والأنظمة، وبالتالي ستنهار المعارضة لأنها بنظرهم تستند في كل قوتها إلى إيران! والوعد الثاني أن إسرائيل تعد حرباً ضد سورية وما هي إلا أيام من شهر نيسان حتى يسقط النظام في سورية ويتغير وجه المنطقة بالجيش الإسرائيلي.. فمضى نيسان وسقط الوعد كما سقط بخصوص إيران. ثالثاً أن إسرائيل تعد حرباً ضد حزب الله لتعوّض النصر الذي فاتها سنة 2006..
هذه الوعود أغرت هؤلاء بأن يبقوا في مراكزهم وهم يعلمون أنهم لا يستطيعون الاستمرارية في هذه المواقع لعدم امتلاكهم للأكثرية الشعبية التي تمكنهم من ذلك.. وبدأ صراخهم وجاء إليهم ديفيد وولش وقال لهم: من الاستحالة أن نذهب إلى الحرب الإقليمية الشاملة أو المحدودة.. لا نحن.. ولا إسرائيل وعليكم أن تتدبروا أمركم بأنفسكم، وإذا بادرتم بأنفسكم سيناصركم المجتمع الدولي! وفي هذا الجو العام أبلغوا من الأمريكيين أن الوقت أصبح ضيقاً، وعليهم الإسراع في المبادرة، وبالتالي تجمعت ظروف عدة حتى أنتجت هذا القرار الأحمق الذي اتخذته هذه العصابة مستفزة به مشاعر المقاومة والمعارضة وطائفة باكملها في لبنان معاً، وهذه العناصر هي التالية:
1 - الخميس سيناقش مجلس الأمن تقرير الجاسوس تيري رد لارسون المعين بوظيفة «ناظر» للقرار 1559.
2 - هناك زيارة جورج بوش الذي ستتم في 13 أيار للاحتفال بستينية اغتصاب فلسطين، ويريد هؤلاء أن يبرزوا بأنهم أصحاب قرار ويمكنهم المواجهة.. وقبل أن يأتي سيمنون النفس بأن يكون في يمينه قرار دولي من مجلس الأمن يخدم أطروحاتهم.
3 - افتضاح المحاولة الإسرائيلية التي كانت ستتم ضد هدف ثمين في الضاحية ويقال إنه السيد حسن نصر الله- فكانت هذه المؤامرة ستتم ليلة 25/26، وافتضح أمرها والآن يعلم الجميع كيف أن إسرائيل تتعاطى مع هذا الواقع وكيف تتم المحاسبات، والأخطر من كل هذا، هو بروز دور لفريق لبناني، هو وليد جنبلاط، في هذه الفضيحة الإسرائيلية بأن مندوبه الأمني شريك في هذا العمل.
4 - هناك تسريب إسرائيلي بأن جعجع كان يعد لاغتيال ميشيل عون والأمر افتضح، ويضاف إلى ذلك ما سرب عن بيلمار المحقق الدولي الحالي، وسلفه براميرتز، بخصوص مسؤولية الحزب التقدمي وجنبلاط تحديداً عن قتل سمير القصير الذي كان يقيم علاقة غرامية مع قريبة هذا الرجل، ومن دور له في قتل جورج حاوي.. ومن الطبيعي أنه لا يمكن أن تمر كل هذه الأمور على الرأي العام اللبناني من دون طرح الأسئلة.. فكان لا بد من إحداث صدمة إعلامية ومعنوية وسياسية لتغيير اتجاه الاهتمام الشعبي، وأفضل الصدمات كانت برأي هؤلاء وبتوجيه أمريكي، هو الذهاب مباشرة للاحتكاك بالمقاومة وجمهورها وبالتالي ذهبوا إلى هذا الخيار بهذا التوقيت المخطط له بعناية بالغة.
من الواضح أن جنبلاط هو من تلك الجهة التي تدبر كل شيء في لبنان لتغطية أشياء بشيء.. ولكن حديث الحكومة عن ملاحقة كل المسؤولين عبر شبكة الاتصالات يعني بما يعنيه ملاحقة قيادات حزب الله، أو على الأقل هكذا تتوهم هذه الحكومة.. فإلى أين تمضي هذه الحكومة بلبنان؟
منذ اللحظة الأولى قلنا: هناك فرق بين أن تقول وأن تنفذ ما تقول، وهذه الحكومة هي أعجز بكثير وأصغر بكثير جداًَ من أن تنفذ قرارات إستراتيجية بهذا الحجم، ولذلك هي تحاول أن تضخم حجمها من خلال قرارات تبتدعها، أما التنفيذ فلا يشغل بالنا لأنه لن يكون بمقدور مثل هذه العصابة.
إن الحفر التي حفرتها الحكومة للشعب لتقبره فيها سينجو منها الشعب اللبناني بقيادة المعارضة التي تعرف طريقها الآن.. والتي فعلاً نفد صبرها، وهي تتجه إلى تصحيح الأوضاع بشكل يبعد عن البلد خطر البيع للصهيونية والمشروع الأمريكي، وخطر التقسيم، وخطر التفاوت بالمستويات والقدر والقيمة..