تتغير وجوه الطبقة السياسية الحاكمة في باكستان فماذا عن واشنطن؟
بغض النظر عن الجانب الديمقراطي المرتبط بالعملية، ماذا يعني فوز حزب الشعب الباكستاني، والرابطة الإسلامية (جناح نواز شريف) بأغلبية المقاعد البرلمانية في الانتخابات التشريعية التي شهدتها باكستان الأسبوع الماضي؟ وماذا يعني سعي الحزبين لإقصاء برويز مشرف قبل خمس سنوات من انتهاء فترة رئاسته المطعون بدستوريتها أصلاً، وهو القائد السابق للجيش وصاحب النفوذ فيه؟ وما ارتباطات وتداعيات ذلك داخلياً وإقليمياً، ولاسيما لجهة العامل الطالباني وضبط المناطق الحدودية التي يتداخل فيها العامل القبلي الباكستاني-الأفغاني؟
علاوة على الاستياء المتراكم من أداء مشرف وقبضته الحديدية وتعطيله للدستور وإقصاء القضاة ناهيك عن الفقر والجهل المنتشرين في صفوف الطبقات الدنيا من الباكستانيين، فقد جاء فوز حزب الشعب المعارض بالانتخابات في غمرة التعاطف الشعبي معه في أعقاب اغتيال زعيمته بنظير بوتو، وهو اغتيال أريد منه الوصول إلى هذه النتيجة من أجل تحقيق غرضين رئيسيين: الأول دخول باكستان طوراً آخر من أزماتها السياسية يقوم على المواجهة الفعلية المرتقبة ما بين مشرف الساعي للحفاظ على صلاحياته في وجه حكومة وبرلمان يهيمن عليهما معارضوه، وسعي هؤلاء للعودة عن كل الإجراءات التي اتخذها مشرف في ظل حالة الطوارئ التي أعلنها عندما كان قائداً فعلياً نافذاً للجيش. أي أن كل الحديث المدعوم أمريكياً عن التحول المدني في باكستان يخفي وراءه صواعق تفجير للوضع الباكستاني الداخلي، الموضوع أصلاً على دريئة الاستهداف التفتيتي الأمريكي. ولا يغير من هذه الحقيقة، بل يفسرها ويعززها، أن مشرف وصل للحكم بمباركة أمريكية، وأن بوتو قبل اغتيالها حصلت على «أوراق اعتماد» عودتها إلى باكستان من واشنطن قبل وقت قصير من تلك العودة، مثلما باركت واشنطن لزوجها، الزعيم الفعلي لحزب الشعب آصف زرداري، فوز حزبه بالانتخابات غداة الإعلان عن نتائجها الجزئية، وهو ما يعني أن واشنطن تمسك بكل الخيوط، بما في ذلك التحضير للغرض الثاني المتمثل في قيام مواجهة بين طالبان وقواعدها في باكستان والحكومة العتيدة في ظل عدم رضا الأولى عن التوجهات شبه الليبرالية المعلنة لحزبي بوتو وشريف، وإعلانهما كمشرف المضي فيما يسمى بالحرب على الإرهاب ولكن مع فارق بسيط أن قادة الجيش في ظل مشرف كانوا يضغطون عليه في رفضهم الشرس لدخول القوات الأمريكية إلى الأراضي الباكستانية لإقامة قواعد عسكرية بذريعة مقاتلة طالبان والقاعدة في حين أن ثمن إيصال حزب الشعب لرئاسة الحكومة والحصول على غالبية برلمانية قد يعني السماح بذلك، دون أن يعني تحققه بالضرورة، ولكن هذا الوضع بحد ذاته يشكل أرضية للصراع والنزاع الداخلي فيما بين أجهزة الحكومة والبرلمان والجيش وأجهزة الاستخبارات، علماً بأن هذه الأخيرة كانت أساساً الغطاء الذي شكّل طالبان في البداية، أي الدخول تماماً في دوامة الفوضى المبتغاة أمريكياً، في وقت يتنامى فيه استياء الشارع الباكستاني ليس من سوء الأوضاع المعيشية فحسب بل من دفع فاتورة «حرب أمريكية معلنة على الإرهاب» تتخذ من بلادهم قاعدة انطلاق لها بالإنابة، وتتجلى على أرضهم مفخخات واغتيالات واحتكاك قبلي طائفي، في خدمة مباشرة «للحليف» الأمريكي لزعماء طبقتهم السياسية.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.