قراءة مختلفة لنهضة معلمي العراق
من يقرأ تاريخ العراق الحديث يرى أن الطلبة والمعلمين كانوا القبضة الحديدية في الدفاع عن مصالح الشعب ومصالحهم المهنية، وكثيرة هي المرات التي أخضعوا فيها مصالحهم لقضايا ومصالح وطنهم الكبرى، خاصة في المنعطفات الحادة، وعلى الدوام كان للعمال ونقاباتهم وأحزابهم في تلك المواقف شأن مقبول في أقل احتمال، إن لم نقل كان لهم الدور البارز.
وهاهم اليوم معلمو وطلاب وعمال العراق يتوحدون في النضال من أجل حياة أفضل، ومن أجل الحرية والتحرر والأمن أيضاً.
لقد حمل لنا الاحتلال بضاعة فاسدة وخطيرة؛ هي الطائفية والنزعات العرقية المعادية لوحدة الوطن بهدف شل كل اشكال النضال لإفشال المخططات المعادية، هذا الى جانب نشر الأمية والبطالة والجوع والظلام من أجل إطالة أمد احتلاله، وقد دفع الشعب ثمناً باهظاً من جراء ذلك، لأن مثل هذه الأمراض تجد مسالك رخوة لها في كل مجتمع يقع تحت ظروف شاذة؛ مثلاً التجربة اللبنانية والبلقانية في الماضي القريب، والتجربة العراقية مؤخراً، ويكون الجرح في مثل هذه الحالات غائراً وموجعاً، الاّ أنه وفي لحظة غير سارة للأعداء تبدأ المراجعة والمعالجة، وتشرق حقيقة جديدة.
وليس صدفة أن يشتعل غضب المعلمين اليوم بعد فترة وجيزة جداً من توقيع معاهدة بورتسموث الجديدة بين صنيعة الاحتلال جواد المالكي وسيده بوش، وهنا نؤكد على حقيقة أن ذات القوى التي أسقطت بورتسموث الأولى قد بدأت تتحرك في عملية إسقاط الثانية.
إن أفعى الطائفية التي أنزلت أفدح الأضرار بمصالح الوطن والسلم الإجتماعي بدأت تعاني من الضعف في زحفها بين أوصال المجتمع العراقي، وبدأت تلسع نفسها في العديد من الحالات والمواقع، وقد لا يرى البعض الثمل بدولارات الاحتلال الرخيصة والنفط المسروق والجريمة المنظمة هذه الحقيقة.
لاشك في أن من يريد قراءة أوضاع العراق بطريقة سكونية لم ولن يدرك سيرورة ما يجري اليوم في أوساط واسعة من الشعب، وكيف بدأت تدرك خطورة السكة التي وضع عليها وطنهم حيث لم يحصد أو يحصدوا من حقول الوهم الاّ القتل، والاغتصاب، وضياع الحقوق والخيرات والأمن والاستقرار، وزرع الجهالة السوداء، والتأسيس لما هو أخطر من جراء تطبيقات مبدأ «فرق تسد» المشؤوم.
ان النضالات المطلبية غير الطائفية وغير العرقية بدأت تشل الأفعي الطائفية، وتفتح عيون أبناء الشعب الأحرار والغيارى وغير الملوثين على مصالحهم، وعلى من يعبر عنها، وترشد الى طريق من ينبغي الاصطفاف معهم، وهي أي النضالات المطلبية الى جانب أشكال الكفاح الأخرى توطد مقاومة الشعب من أجل السيادة الوطنية غير المنقوصة، وتعزز ثقة الشعب بنفسه أيضاً.
ولفرط ذهول تجار البضاعة الفاسدة أشخاصاً وجماعات من حقيقة أن فئات الشعب بدأت تريد الخبز بعد أن شبعت من سموم الطائفية والتعصب، تبارى البعض لتفسير إضراب المعلمين بأوهام جديدة كاذبة، بمقولات مثل: ليس الإضراب الحالي بمطالبة ثورية وواقعية لرفع الأجور، وسد الرمق، وصيانة الكرامة والعائلة والعرض، بل هو غيرة من أخوتهم معلمي كردستان (العراق)؛ أخوتهم في كل شيء، خاصة في أخوة الوطن الواحد، وكأن نهضة المعلمين في أقاليم العراق قد جاءت لمطابقة أجورهم مع معلمي العراق في اقليم كردستان وحسب.
وحاول صانعو الوهم والخديعة تعفير ذلك الادعاء بايحاءات معادية للشعب الكردي، ومن أجل التأليب وزرع المزيد من الضغائن، وهناك من ذهب الى القول بأن العمائم المتخمة بالمال والطائفية هي وراء نضال المعلمين؛ وهذا ما جادت علينا به قريحة «اليسار» المزيف.
وليعلم الواهمون بأن النضالات الكبرى لا تأتي بقرارات أو مراسيم من هذا الطرف أو ذاك؛ بما فيها القيادات الفعلية للمنظمات الاجتماعية والسياسية والدينية نفسها، كما لا تولد جزافاً، إنما حقائق الحياة الفعلية والمتطلبات الموضوعية هي التي تزرع القرارات، وتحدد أشكال النضال، وتحصد النتائج، شاء من شاء وأبى من أبى.
بهذه المناسبة أجد لزاماً عليّ أن أرحب بمواقف المنظمات العمالية الثورية والقادة النقابيين الشرفاء ورجال الفكر الذين وقفوا بشرف مع شعبهم وفئاته المناضلة، ولم يحاولوا استغفاله أو التذاكي عليه، كما يفعل، أو بالأحرى كما يتوهم البعض، هذا البعض الذي لا يدرك حقيقة بسيطة جداً تفيد بأن الجوع يقطع حبل المساومات مهما كانت بارعة حيث لا تصمد أمام حقائق الحياة الصعبة الاّ المواقف الصادقة والشريفة.
• المجد والخبز للمعلمين.
اصمدوا إنكم ورثة أمجاد رائعة وإن كانت في الوقت ذاته مظلومة.
واعلموا بأن نضالاتكم تُظل مشرقة وملهمة في كل الأحوال وعلى الدوام.
إن نضالكم اليوم لا يجلب الخبز فقط وانما الكرامة ويعزز وحدة الوطن كله.
النصر للمعلمين بناة الانسان والمستقبل.