عن صراع الحكم.. والأزمة السعودية في اليمن
ترزح السعودية تحت وطأة الانتكاسات السياسية الواضحة في اليمن، إذ يبدو أن موازين الصراع المحلية لا تسير وفقاً للأهواء الخليجية التي عوَّلت مطولاً على إمكانية حسم الصراع «بالضربة العسكرية القاضية» التي شكّلت «عاصفة الحزم» إحدى تجلياتها.
تشير معطيات الميدان اليوم إلى تقدم مرحلي للحلف المناوئ للسعودية، الذي يضم جماعة «أنصار الله»، والقوات الموالية للرئيس السابق، علي عبد الله صالح، وهو الحلف الذي بات يوجِّه ضرباته إلى العمق السعودي في نجران، بعد سيطرته على أجزاء واسعة من أراضي الشمال اليمني.
من ينظر إلى المشهدين الميداني والسياسي في اليمن اليوم، يكاد يخلص للوهلة الأولى إلى الاستنتاج بأن المعركة باتت محسومة والكفة مرجحة لمصلحة التحالف الذي يجمع «أنصار الله» بالرئيس اليمني السابق صالح، غير أن ذلك الاستنتاج لا يبدو واقعياً بالنظر إلى الحقيقة القائلة بأن معظم الحلول التي تنتظرها «المناطق الساخنة» على رقعة الصراع العالمية، سوف لن تشكّل «انتصارات ماحقة وساحقة» لأحد الأطراف السياسية على حساب الأطراف الأخرى، بل ستكون تلك الحلول انعكاساً فعلياً، بهذا الشكل أو ذاك، للتغيرات الدولية الجديدة.
المشهد على الأرض اليوم
في مقابل سيطرة قوات «التحالف العربي» بقيادة السعودية، وتنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية على أراضي الجنوب اليمني، يذهب التحالف الذي يجمع «أنصار الله» بالرئيس السابق صالح، للسيطرة على أراضي الشمال اليمني، مع ما يرافق ذلك من هجمات متكررة على مناطق الجنوب السعودي، لا سيما في نجران.
ومع الاستعصاء الذي تواجهه قوات «التحالف العربي» في البلاد، أعلن ممثلو «أنصار الله» و«حزب المؤتمر الشعبي العام»، بالإضافة إلى بعض الأعضاء من منظمات وأحزاب سياسية أخرى، تشكيل حكومة تشمل هذه المكونات السياسية، في الوقت الذي انهارت فيه المحاولات السعودية لإقامة حكومة مؤقتة في عدن، كان من المفترض أن تكون مماثلة لما بات يعرف بـ«حكومة الحوثيين» في أراضي الشمال.
وبالتوازي مع تركّز عمل حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي انطلاقاً من العاصمة السعودية الرياض، شرعت قبائل محلية عدة في مدينة نجران السعودية إلى الدخول في تمرد يبدو أنه طويل ضد السلطات السعودية، وتطالب هذه القبائل بعودة أراضي نجران إلى اليمن. يشير هذا المشهد برمته، إلى وجود رغبة ربما لدى الأطراف المناوئة لحكومة الرئيس هادي، لـ«تجربة حظها» مجدداً في محاولة حسم المعركة عسكرياً وسياسياً.
التناقض السعودي«الأمريكي» في اليمن
تتحمل السعودية قسطاً أساسياً من عبء المعركة اليمنية، تليها الإمارات والبحرين، أما المشاركات الأخرى في الحرب، فلا تعدو كونها مشاركة إسمية اضطرت الدول إلى إعلانها تحت ضغط الرغبة السعودية في إضفاء طابع «شرعي عربي، ولاحقاً إسلامي» على التدخل العسكري في الشؤون الداخلية في اليمن.
في الوقت ذاته، تواجه هذه الدول فشلاً ذريعاً في تدخلها الجاري على الأراضي السورية، ومنذ خروج تركيا (على الأقل مؤقتاً) من التورط في المماحكات مع روسيا وإيران، فإن الموقف السعودي أصبح أكثر حرجاً، ويبدو أنه سيكون أكثر ضعفاً في أية عملية سياسية قادمة في سورية.
على هذه الأرضية، ترى السعودية في اليمن معركة غير محسومة بعد، من الممكن أن تكون غطاءً للفشل المنتظر في سورية التي تدولت أزمتها بشكل واضح. وأمام هذا الحال، نجد اعترافاً أمريكياً علنياً بعدم جدوى الحملة العسكرية في اليمن، وبالأمس القريب فقط أفيد عن أن الولايات المتحدة قد لجأت إلى سحب ما يسمى بـ«مجموعة التخطيط العسكري» من السعودية، والتي زعمت وكالات أنباء غربية أنها وفرت المعلومات الاستخبارية التي شكّلت العمود الفقري للتحركات السعودية داخل الأراضي اليمنية. مما يعني أن هناك تناقضاً اليوم بين السقوف التي يضعها كل من اللاعبين «الأمريكي» والسعودي لما يمكن تثميره من الحرب اليمنية.
بن نايف.. مقابل بن سلمان
القارئ للصحافة السعودية، وخصوصاً لمجموع «مقالات الرأي» التي تنشر فيها، يمكنه تلمس «صراع الآراء» الجاري داخل «الأسرة الحاكمة» في السعودية. إذ تتفق معظم هذه الصحف، ضمناً، بأن حكم الملك سلمان قد لا يطول «بسبب مرضه»، وأن انتقالاً للسلطة نحو «أفراد الجيل الثاني» لا بد أن يلعب دوراً حاسماً في التوجهات الاستراتيجية للسعودية.
لا تخفي الآراء الواردة من السعودية، أن اصطداماً قد بدأت بوادره تظهر على السطح بين ولي ولي العهد، محمد بن سلمان (وزير الدفاع)، وبين ابن عمّه ولي العهد، محمد بن نايف، أما محور هذا الاصطدام فيتمثل في الصراع على السلطة في المستقبل القريب.
في «كباش الأقلام» نجد أن هناك المزيد من المحللين المنضمين إلى لواء المعتقدين بولاء بن نايف المطلق للولايات المتحدة، ويقال بأنه تبنى «الدور الحربجي» في الأزمة اليمنية، كما كان لمجموعته داخل الدولة السعودية الدور الرئيسي في تنسيق طبيعة المشاركة السعودية في الحرب السورية. وهناك اتهامات للرجل بأنه كان من المدربين في مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي إبان دراسته في الولايات المتحدة. ووفقاً لـ«تسريبات ويكيليس» التي طالت مجموعة من الرسائل الإلكترونية للسفارات السعودية حول العالم، فإن بن نايف موالياً للولايات المتحدة بشكل دائم، ومتعاون مع وكالة الاستخبارات الأمريكية. وترى واشنطن أن الرجل من أكثر المرشحين المرغوبين للعرش السعودي.
في المقابل، لا يمكن الحديث عن وجود منافس مغاير تماماً لبن نايف، فعلى الرغم من الصراع الجاري بين الأخير وبن سلمان، إلا أن الشخصين متفقين تقريباً على السياسات السعودية في الإقليم. غير أن الدعم المقدّم أمريكياً لبن نايف لا يزال كاسحاً بالمقارنة مع ذلك الموجه إلى بن سلمان.
هل يمكن الخروج المشرف من الحرب اليمنية؟
يعتمد بعض المحللين على الزيارات المتكررة لبن سلمان إلى روسيا، للقول أن الرجل يسعى للحصول على دعم روسيا في صراعه على الحكم. وقد التقى مؤخراً الممثل الخاص للرئيس الروسي في الشرق المتوسط وشمال أفريقيا، نائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف. ويرى محللون أن ذلك دليل على الأهمية المتزايدة التي تنالها روسيا في الحسابات السعودية، على خلفية مشاركتها الفاعلة والثابتة القضايا الدولية.
في المقابل، يبدو الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، يسير في الاتجاه ذاته، معلناً «استعداده» للتعاون مع روسيا في اليمن. أما العلاقة التي تربط الشخصين، من خلال إيفاد أحمد علي عبد الله صالح (ابن الرئيس السابق)، للحديث مع بن سلمان بشكل دائم، يراها البعض دليلاً إضافياً على «اقتراب بن سلمان من المحور الروسي».
روسيا بطبيعة الحال غير مهتمة بفوز سعودي في اليمن، ومثل هذا الفوز يعتبر أمراً مستحيلاً. ومع ذلك، يوجد احتمال بأن تساعد روسيا «التحالف السعودي» لتحقيق «هزيمة مشرفة»، والشروع في عملية السلام، وبالتالي، أن تسمح للسعودية بالخروج من المغامرة اليمنية دون فقدان الحد الأدنى من ماء الوجه.