«شنغهاي».. تعبير ملموس عن عالم جديد

«شنغهاي».. تعبير ملموس عن عالم جديد

بحضور رؤساء الدول الأعضاء في منظمة «شنغهاي»، تم التوقيع في 24/حزيران الماضي على مذكرة تخص التزامات الهند وباكستان للحصول على عضوية المنظمة، ومن المتوقع أن تنتهي عملية الانضمام في القمة القادمة للمنظمة المزمع عقدها في أستانا..

الاتفاق الذي تم في هذا الإطار، وتحديداً فيما يخص الهند، يكتسب أهميته من ناحيتين، الأولى: خصوصية الهند كقوة دولية صاعدة، والثانية: وزن هذا الانزياح في التكتلات الدولية على ميزان القوى الدولي المتغير بسرعة..

أهمية المنظمة بانضمام الهند

بسبر للخريطة الجديدة بعد انضمام الهند وباكستان إليها من حيث الإمكانيات الاقتصادية والبشرية، فإن المنظمة باتت تضم نصف سكان الأرض، على مساحة تصل إلى 40 مليون كلم2 من مساحة الأرض، ويمكن القول أن المنظمة أصبحت إلى جانب مجموعة «بريكس» نماذج ملموسة لنمط جديد من العلاقات الدولية، خارج الشكل السائد من العلاقات بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، والمتمثل بعلاقات الهيمنة الأمريكية- الغربية، على أشكال التقارب بين الدول، «الهند- باكستان» مثالاً.

كما أن هذه المنظمة محددة الأهداف والتوجهات المستقبلية قد خلقت مناخاً إيجابياً في المنطقة الأوراسية، كان غائباً حتى الأمس القريب بسبب التهديد المستمر بالعصا الأمريكية، فكبار منظري السياسات الخارجية في الولايات المتحدة، وعلى رأسهم زبيغينو بريجنسكي، يرون في انفلات المنطقة الأوراسية من المظلة المرسومة أمريكياً بداية الانحدار في مستقبل الولايات المتحدة كقوة رقم واحد في العالم.

وفي هذا السياق، تنتظر دول لها صفة المراقب دورها للانضمام إلى منظمة «شنغهاي»، وهي منغوليا، وأفغانستان، وإيران الأقرب إلى حيازة العضوية، بعد الهند وباكستان، فيما تتجمع دول أخرى في محيط المنظمة بصفة «شريك في الحوار»، كتركيا وسيريلانكا وأرمينيا وكمبوديا.

وكان السفير الروسي لدى الصين، أندريه دينيسوف، أكد أن عملية توسيع منظمة «شنغهاي» للتعاون يمكن أن يشير فقط إلى الاهتمام الدولي بعضوية هذه المؤسسة، وأنه لا أحد يدعو أحداً بالقوة للانضمام، ولا يمكن حتى الحديث عن هذا.

الهند في مكانها الطبيعي

إلى جانب الأزمات في شرق المتوسط، الواصلة حتى الحدود الأذربيجانية- الأرمينية، والتوتر المتصاعد في شرق آسيا على الحدود الصينية، تعمل الولايات المتحدة على فرض نفسها كأحد «ضامني السلم العالمي» في حال نشوب نزاعات «تغذيها بنفسها»، مرتكزة إلى بقايا مكامن القوة في مرحلة الريادة العالمية، ووجودها الرئيسي في المنظمات الدولية النافذة حتى اليوم. وبغير تلك الذريعة لا أساس لوجودها في منتصف العالم، بعيداً عن حدودها آلاف الكيلومترات، وبما أن الولايات المتحدة تستهدف شرق آسيا والمتوسط المحيطين بالهند والصين، فإن إحساساً بالخطر قد أصاب فعلياً الهند دافعاً إياها لحسم توجهاتها الاستراتيجية، والتشبيك مع دول الجوار في منظمة معنية بالتعاون الأمني بشكل أساسي.

كما أن انضمام الهند وباكستان معاً إلى المنظمة يهدف من وجهة نظر المنظمة، إلى الضبط والتحكم بمستوى الخلافات الراهنة بين هذين البلدين استباقاُ لأي استثمار غربي قد يشعل فتيل الحرب بين الدولتين النوويتين، وكذا «الشركاء في الحوار»، «أرمينيا- أذربيجان» التي تلعب منظمة شنغهاي دوراً محورياً في الحوار بينهما.

وبالعودة إلى تقييم حجم هذا التغير في توجهات الهند الاستراتيجية، فيمكن القول أن احتدام الصراع الدولي الذي يطفو، صراعاً بين الولايات المتحدة وروسيا، قد يدفع الدول الأقل وزناً لترقب تغيرات ميزان القوى الدولي ومجاراته، بحيث تبقى بمنأى عن ارتدادات المعركة الدولية قدر الإمكان، لكن حسم الهند بوزنها الثقيل دولياً لخياراتها الاستراتيجية في هذه المرحلة إلى جانب روسيا والصين، أو على الأقل عدم تحولها إلى مركز عمليات أمريكي متقدم في وسط آسيا، يعد أكبر الضربات التي تلقتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد حدث إغلاق الملف النووي الإيراني.

وفي الوقت نفسه، فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الذي يعني فعلياً بداية تفكك «البيت الأوروبي»، يخلق مركزاً بديلاً للهيمنة الغربية، مركزاً للحضارة متعددة القطبية- منظمة شانغهاي للتعاون، والتي تشكل أكثر من نصف العالم- وتملك الغالبية العظمى من السكان، والقوة النووية.

ما يحدث اليوم (استفتاء حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومنظمة شنغهاي للتعاون تصبح ذات أهمية دولية كبرى)، من شأنه أن ينقل مركز النظام العالمي إلى النصف الآخر من العالم. هذا هو التحول من الغرب إلى العالم الأوراسي.