أوباما واستحضار «الجياد القديمة»...
«مكتوب» أوباما «باين من عنوانه».. فـ«الفارس» الذي امتطى مؤخراً صهوة البيت الأبيض سرعان ما استعان بـ«الأحصنة القديمة» معلناً عن نفسه ليس كمقارب على نحو مختلف للقضايا الدولية عن سلفه، جورج بوش، بقدر كونه «دكنجياً مفلساً يعود للدفاتر القديمة»، التي تحكم السياسة الخارجية الأمريكية، ممالئةً للصهيوني-الاحتكاري، من باب استكمال تنفيذ أجنداته المشبوهة ذاتها!
ومن هنا تنبغي قراءة جملة الخطوات والتصريحات الأولى التي اتخذها وأدلى بها بعد تنصيبه، بما فيها ما يهمنا في المنطقة العربية وجوارها الإسلامي، واستطراداً بشكل رئيسي، أنباء تعيينه لكل من جورج ميتشل وريتشارد هولبروك مبعوثين رئاسيين لمنطقة الشرق الأوسط، وأفغانستان وباكستان على التوالي، وذلك بالتوازي مع إطلاق تصريحات وتحركات «طنانة» من كل أعضاء الإدارة الجديدة-القديمة حول إتباع «نهج مختلف».
المبعوث الأول، ميتشل، «هرول» إلى المنطقة «لتثبيت» فكرة إعطاء أوباما منطقة الشرق الأوسط أهمية استثنائية، ينسفها مباشرة استبعاد الدبلوماسي الأمريكي «المحنك» لسورية ومسؤولي حماس من لائحة لقاءاته وجولته التي بدأت في القاهرة وتقوده للكيان الإسرائيلي والضفة الغربية والأردن والسعودية بالإضافة إلى فرنسا وبريطانيا، وذلك من أجل «تمديد وتثبيت وقف إطلاق النار في غزة».
وإذا كان بعض من تاريخ جورج ميتشل يقول إنه سعى في عام 2000 عندما تم تعيينه رئيساً للجنة دولية حول الشرق الأوسط حملت اسمه، وهدفت بالعلن إلى إنهاء «العنف» بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبالسر إلى محاصرة الثمار السياسية للانتفاضة الفلسطينية الثانية، فإن «هرولته» اليوم تعد خطوة أخرى على طريق المحاولات متعددة المشارب والمصادر لمحاصرة التثمير السياسي لانتصار غزة ومقاومتها، إلى جانب السعي إلى إنقاذ ماء وجه دول الاعتدال العربي، وإحياء ما تسمى «المبادرة العربية للسلام»، تثبيتاً لما اعتبره أوباما حسب تصريحاته من أنها «تضم بنوداً بناءة، وأنه حان الوقت كي تساعد الدول العربية جهود السلام من خلال دعم محمود عباس والحكومة الفلسطينية، وأخذ الخطوات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل».
ومن هنا يمكن تفسير الترحيب السعودي بـ«التوجه الإيجابي» للإدارة الأمريكية «الجديدة»، على الرغم من أن لسان رئيسها لم يتلفظ، لا خلال التنصيب، ولا خلال زيارته وزارة خارجيته، ولا خلال لقائه الحصري على قناة «العربية»، بأي تلميح بالإدانة لأي من الجرائم الإسرائيلية خلال العدوان على غزة. ولم يكتف أوباما بالوقوف على مسافة واحدة من «الطرفين» بل سعى، تنفيذاً لالتزامه المعلن سابقاً بالدفاع عن إسرائيل وأمنها «في مواجهة كل الأخطار»، إلى تحميل حماس كامل المسؤولية، عندما قال: «لا توجد دولة ديمقراطية (أي إسرائيل) تقبل أن تبقى مكتوفة الأيدي إزاء إطلاق الصواريخ عليها»، معرباً عن دعم إدارته لإقامة «نظام منع تهريب أسلحة إلى غزة»، ومتابعاً في الوقت ذاته استخدام لغة سلفه مع «المعتدلين» و«المتطرفين» في الأنظمة والدول العربية، وهي اللغة ذاتها التي تتبع «الإملاء» على العرب «والمهادنة» مع إسرائيل، ودائماً بموجب ما يتطلبه أمنها.
وعليه، إذا كنا قد قلنا في السابق «لا تتفاءلوا كثيراً»، فإن أوباما يقول للجميع اليوم «لا تتفاءلوا أبداً..»! شكلياً هناك كسر لمحظور الإدارة السابقة من طرح إمكانية «الحوار مع إيران»، وهناك توقيع مباشر لمرسوم «منع التعذيب وإغلاق غوانتانامو والسجون السرية»... ولكن في مقابل محاولة التوصل إلى صفقة ما مع طهران في الشأن الأول، وإظهار بعض من التباين عن سابقه، في الشأن الثاني، مع الإبقاء على شعار «محاربة الإرهاب» وعلى أية ابتكارات لاحقة في مستلزماته، بالتالي..
وبالمثل لا يأتي تعيين هولبروك فتحاً جديداً، وهو المتمرس بـ«التفتيت» بحكم خبرته في يوغسلافيا سابقاً، تحت عنوان ما ينسب إليه من توسط في إيجاد «اتفاق سلام بين القوى المتحاربة في البوسنة» حمل اسم «اتفاق دايتون للسلام»، بقدر ما هو توظيف لهذه الخبرة واستحضار لها من أجل إحداث تفتيت مماثل في كل من إيران وأفغانستان وباكستان، بعد استغلال عوامل التداخل العرقي والطائفي بين هذه البلدان كمدخل لهذا التفتيت. ومن هنا يأتي هذا التعيين مترافقاً مع جملة من المعطيات والتصريحات الأمريكية، ومن بينها مغازلة واشنطن لإيران لعقد تسوية معها بخصوص أفغانستان، حسب تصريح قائد القوات الأمريكية، وتغييب «التنمية والازدهار الاقتصادي فيها بوصفهما هدفاً غير واقعي» حسبما جاء على لسان وزير الدفاع «الجمهوري» في الإدارة «الديمقراطية»، روبرت غيتس، وتصعيد اللهجة مع كرزاي وسحب الدعم عنه واعتماد التعامل مع قادة الأقاليم بدلاً عن الحكومة المركزية، وذلك مع اقتراب الانتخابات في أفغانستان (كما جاء على لسان نائب الرئيس جوزيف بايدن)، وزج المزيد من القوات الأمريكية في أفغانستان، بعد سحبها من مراكز المدن العراقية وبقائها في قواعد الاحتلال الباقي هناك، بعد أن «بلع» أوباما تحت ضغط عسكرييه تصريحاته بخصوص «الانسحاب التدريجي من العراق خلال 16 شهراً» لمصلحة «ما يقتضيه الوضع الميداني»، ناهيك عن تصعيد القصف على باكستان، وكل ذلك ضمن ما بات يلمح إليه أوباما وغيتس علناً من أن الوضع في أفغانستان خطر، وأن المعركة فيها طويلة. وحسب غيتس فإنه على الولايات المتحدة أن تحد تركيزها على ما يمكن أن تنجزه في خمسة أعوام، وهو «التأكد من أن الإرهابيين لن يستعيدوا السيطرة على المنطقة كي لا يستخدموها قاعدة لهجماتهم على أميركا أو حلفائها».(؟؟!) فما البديل؟ البديل من وراء كل ذلك هو تحضير أفغانستان كقاعدة انطلاق للمعارك الأكبر والأوسع لمحاصرة وتحييد إيران والصين وروسيا. وإلا لماذا مضاعفة عدد الجنود الأمريكيين الموجودين في أفغانستان حالياً من 33 ألفاً إلى أكثر من 66 ألفاً؟
أرشيف قريب جداً. .
للتذكير بما يهمنا بشكل مباشر في المنطقة العربية، فإن لموقف أوباما تاريخه وثوابته، فقبل ستة أشهر تقريباً، وبالتحديد في أوائل حزيران 2008، حدد أوباما فور فوزه بترشيح حزبه الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الخطوط العامة لسياسته في المنطقة والمرتكزة حصراً إلى رؤية قادة الكيان لأي سلام في المنطقة، ونقتبس: «إن أي اتفاق مع الشعب الفلسطيني يتعين أن يحفظ هوية إسرائيل دولة يهودية ذات حدود آمنة معترف بها ويمكن الدفاع عنها وستظل القدس عاصمة لإسرائيل ويتعين أن تظل موحدة». أوباما الذي شدد على «قدسية» أمن إسرائيل تعهد بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، معتبراً إياها الخطر الأكبر على كل من الكيان واستقرار المنطقة. والأسوأ أنه بينما أيد إسرائيل في اعتدائها على سورية وقصفها منطقة «الخبر» قبل عدة أشهر بذريعة «لجم السعي السوري وراء سلاح نووي» فإن أوباما ذاته عبر عن تأييده لاستئناف المفاوضات بين سورية و«إسرائيل»!!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.