إبراهيم البدراوي - القاهرة إبراهيم البدراوي - القاهرة

العدوان على غزة ومغزى النهوض الجديد

الولايات المتحدة الأمريكية مأزومة بشكل لاسابق له، وعلى كل الأصعدة الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأخلاقية.

أزمتها الاقتصادية لا علاج لها. ملايين العمال والموظفين يتم تسريحهم. لايوجد توافق أو اتفاق على كيفية مواجهة الأزمة. يوجد  فقط تخبط  واسع المدى، إذ لا يمكن تجاوز الأزمة بالوصفات الرأسمالية.

أزمتها السياسية ساطعة. انتهى النموذج الزائف للمجتمع الحلم الذي روجوا له، وتجلت الحقيقة في الكراهية المتفجرة لأمريكا على مستوى الكوكب كله وفقدت هيبتها التي سبق فرضها بالحديد والنار والتزييف الإعلامي.

هي مهزومة عسكرياً في أفغانستان وفي العراق، وذراعها الصهيوني في فلسطين تمت هزيمته عسكرياً مرتين في أقل من عامين ونصف في لبنان وغزة، وأصبح مستقبله موضع تساؤل.

وهي مهزومة أخلاقيا بدرجة لايمكن وصفها أو حجبها.

ولم تعد الولايات المتحدة تمتلك الآن من مقومات القوة الشاملة السابقة سوى «أنياب كلب مسعور» لا تخيف أحداً، إضافة لشراذم من الأقنان، أي الطبقات التابعة العميلة الذليلة وحكوماتها،  خصوصاً في بلداننا العربية.

السيناريو الساقط يتكرر

السيناريو نفسه الذي اتبعته النظم العربية العميلة في يوليو 2006 وهو التعويل على أمل هزيمة حزب الله خلال يوم أو يومين، وتقديم كل الدعم للعدو وعملائه في لبنان طيلة الحرب وبعدها وحتى الآن. لكن حزب الله والقوى الوطنية اللبنانية قد أفسدت كل ذلك وألحقت به الهزيمة.

السيناريو نفسه بالنسبة الى غزة يتكرر مضافاً إليه حصار طويل ليس له مثيل في ضراوته، بلغ ذروة شديدة الوحشية والانحطاط باغلاق معبر رفح، المتنفس العربي الوحيد لأشقائنا في غزة  حتى أثناء العدوان. ولعبت سلطة مبارك في مصر وعبدالله في السعودية رأس الحربة ضد الأشقاء، بمساندة العدوان بتمويل سعودي تم فضحه، وبتعويق مصري سعودي لعقد مؤتمر قمة عربي طارئ كان يمكنه تقديم قدر من الدعم المعنوي للمقاومين وللمدنيين الصامدين في غزة على الأقل …الخ.

انتصر نهج المقاومة

العدوان على غزة لم يحقق هدفه الأساسي وهو هزيمة المقاومة واقتلاعها، ومن ثم فتح الباب واسعاً للقضاء على كل قوى المقاومة في المنطقة  لتمرير المشروع الصهيو- امبريالي. وفشل العدوان هو الجوهر الحقيقي للانتصار الذي تحقق رغم آلاف الشهداء والجرحى والدمار الهائل.

الهزيمة لم تكن من نصيب الكيان الصهيوني ومن ورائه الولايات المتحدة وحدهما. لكنها طالت الطبقات الحاكمة في المنطقة وحكوماتها. لقد انتصر نهج المقاومة وسقط تماماً نهج الاستسلام.

لكن أحمد أبو الغيط وزير الخارجية المصري، والأكثر عبقرية في التعبير عن رأي مبارك يحاول ستر عورة السلطة المصرية وعورات العملاء العرب جميعاً، ويصرح في بروكسل: «الحرب على غزة أثبتت أن إيران وراء الكثير مما حدث وجميع الخيوط في يد القاهرة الآن»!!! غير أن هذا التصريح التافه قد أضاف لإيران شرفاً تستحقه بجدارة، طالما أن أبو الغيط الذي لايكف عن بث الأوحال يريد أن يستبدل العدو الصهيو- أمريكي بعدو لم يوجد سوى في مخيلته المريضة هو وأسياده. فإنه من حيث لايدري قد أعلن في جوهر الأمر عن اعتراف مبارك بهزيمة خيار الاستسلام، خاصة أنه لم يشر إلى الخيوط التي بيد السلطة المصرية، وهى خيوط بلا شك أوهى من خيوط العنكبوت مثل «أبو الخيط».

الأكثر هزلية هو ما نشرته صحف الثلاثاء الماضي عن أن مبارك استقبل اللجنتين العامتين لمجلسي الشعب والشورى، وضمنهم رؤساء أحزاب الوفد والتجمع وأحزاب أخرى ونواب من الحزب الوطني والمستقلين. وأنه حدثت إشادات من الجميع بمواقف مبارك أثناء العدوان على غزة!!! 

واقع جديد يتشكل

إن هذه التفاهات لا تغير من الأمر شيئاً، إذ أن العدوان وتداعياته قد كشفت بجلاء عن بدايات جادة لتشكل حركة تحرر وطني عربية، بل وعالمية وسط زخم جماهيري غير مسبوق، تنهض على قاعدة العداء العميق للامبريالية والصهيونية، ولا يمكن فصمها عن وعي أزمة الرأسمالية كنظام اجتماعي فقد مبررات وجوده وأصبح عبئاً على تطور الشعوب والأمم. إذ لايمكن تفسير هذا الخروج الهائل لعشرات الملايين على مستوى العالم لمجرد أسباب أخلاقية. ولكن سببه الموضوعي هو بشاعة الرأسمالية ووحشيتها. وهو ما يستدعي- خصوصاً في بلداننا العربية- العمل بلا كلل لغرس وتثبيت المنطلقات الطبقية والوطنية والأممية في صراعنا ضد العدو الصهيو- امبريالي حتى تمام هزيمته، ورفض وتعرية ما يسمى السلام المزعوم مع هذا العدو. فالسلام لم يتحقق في أية لحظة لأي أحد. والخطر داهم وماثل على الجميع. من تصالحوا أو بالدقة استسلموا وطبّعوا، مثلهم مثل من مانعوا. لقد سقط وهم السلام سقوطاً استراتيجياً. ولا يمكن أن يتحقق سلام في المنطقة مع الوجود الصهيو- أمريكي على أي شبر من أرض فلسطين أو الأرض العربية بعمومها، لتبقى المهمة المباشرة الآن في مصر متمثلة في العمل بلا كلل، ومهما كان الثمن على التخلص من نظام مبارك والطبقة النهابة التي جلبت لنا الخراب.

آخر تعديل على الثلاثاء, 29 تشرين2/نوفمبر 2016 00:04