ما بين برد دافوس ودفء الأمازون عالم «ما بعد الأزمة» يتمطى..
ربما كان التهرب من تلقي اللوم على النهج الاقتصادي، أو الانشغال بالداخل المتهاوي، هو السبب في تغيب اللاعب الأمريكي الجديد باراك أوباما عن أعمال منتدى دافوس الاقتصادي العالمي التاسع والثلاثين، وربما كانت الرغبة في المنازعة على زعامة اقتصاد العالم الجديد هي الدافع الأقوى وراء حضور رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين للمنتدى مفتتحاً إياه بالكلمة الأولى. لكن أياً كانت الحال، يبقى الأكيد أن الأزمة العالمية فرضت نفسها عنواناً لأعمال منتدى دافوس هذا العام، مثلما واصلت آثار العولمة فرض نفسها على المنتدى الاجتماعي العالمي بالبرازيل في دورته التاسعة ليكون مناهضاً للعولمة. لكن شتان بين الاثنين رغم بهوت ملامح الأخير..!
منتجع دافوس الذي تأثر ربما كما تأثر غيره من المنتجعات الأوروبية بانقطاع الغاز الروسي عبر أوكرانيا قبل أيام، سيلتهب دون شك حين يحتدم النقاش حول أزمة القرن الواحد والعشرين التي تعصف بالرأسمالية من كل اتجاه، ولن تكون الطاقة هي الملف الوحيد، فالأزمة المالية التي كشفت عن وجهها الاقتصادي سترفع حدة النقاش حول طبيعة الاقتصاد الكوني وطبيعة عولمته المالية المعقدة، ولاسيما أنه من المتوقع أن يشهد العالم في 2009 بعض أهم الانعكاسات الأولية/الحقيقية لأزمة بدأت في أسواق المال وامتدت لتهدد قطاعات الإنتاج الحقيقي وما تحمله من وظائف ومعدلات نمو، وصولاً إلى تهديد الأمن الاجتماعي العالمي وربما الطبيعة برمتها، فمن المتوقع أيضاً أن يقارب عدد العاطلين عن العمل في نهاية 2009 ما يقدر بـ 300 مليون نسمة.
وأيضاً فإن درجة الغليان مهما ارتفعت فإن عمل صناع السياسة في دافوس سيقتصر على التمهيد والدفع باتجاه الأمام، نحو تحميل قمة مجموعة العشرين في نيسان القادم هموم الأزمة وتبعاتها وسبل الالتفاف عليها لإبقاء النظام الرأسمالي المشوه على قيد الحياة فترةً أطول، قد تكون كافيةً لتدمير الكوكب وما يحمله من منتديات وقوى اقتصادية وسياسية! وقد أعرب مؤسس المنتدى ورئيسه كلاوس شواب عن أمله في اختصار أعمال المنتدى بما يمكّن اللاعبين العالميين، من رجال الأعمال وغيرهم، من تقديم مساهمتهم في مسار مجموعة الـ 20.
وفي حين يتصدى منتدى دافوس للدفاع عن مصالح الشركات العالمية وحكام الدول الغنية، يتولى المنتدى الاجتماعي العالمي التصدي للدعوة إلى مناهضة العولمة الرأسمالية، أو استبدالها بعولمة أخرى «أكثر إنسانية»، وينعقد المنتدى هذه المرة في بيليم كبرى مدن ولاية بارا الأمازونية في البرازيل، ويأتي بالتزامن مع دافوس، وقد سعى القائمون عليه هذه المرة إلى إعطائه رمزيةً زائدة عبر إقرار انعقاده في قلب الأمازون بغية جعل هذه الغابة الشاسعة المهددة بفعل الصناعات الغذائية رمزاً لكفاحهم من أجل حماية البيئة والشعوب الأصلية.
لكن هذا يبقى أضعف الإيمان، رغم أن أحد منظمي المنتدى الاجتماعي وهو كانديدو جريبوسكي اعتبر أن في الأزمة المالية العالمية فرصة لمناهضة العولمة التي تتبن اتجاهات ليبرالية جديدة، مضيفاً أن الإجراءات التي تم تبنيها لمواجهة الأزمة ركزت على إنقاذ الشركات والمصارف، مكتفياً بذلك ربما للإشارة إلى إهمال هذه الإجراءات العالمية للأكثرية الساحقة من البشر حول العالم المترابط، سواء بعولمة أم بدونها. لكنه والحق يقال استطرد قائلاً في التعبير عن ما يبدو سقف المطالب: «إننا ننادي على الدوام بتدخل الدولة وتنظيمها للأمور في النظام المالي، لكن الجهود التي بذلت حتى الآن تستهدف كلها إنقاذ النظام وليس تغيير هذا النظام».
ويبقى السؤال الأهم، هل انتهت الأزمة ليتبنى المؤتمرون في دافوس التخطيط لعالم ما بعدها؟! وما الذي سيتغير في عالم «ما بعد الأزمة»، حين تنتهي، سوى اشتداد لؤم النظام الرأسمالي الاحتكاري ريثما ينهي حفر مثواه الأخير بيديه، دون مساعدة حقيقية من أحد حتى الآن؟!