حاوره: جهاد أسعد محمد حاوره: جهاد أسعد محمد

عدي الزيدي لـ«قاسيون»: ما فعله منتظر الزيدي موقّع بأسماء جميع شرفاء العراق..

استضافت «قاسيون» في مقرها الأستاذ عدي الزيدي، شقيق البطل العراقي الأسير منتظر الزيدي، وأجرت معه الحوار التالي:

أستاذ عدي أهلاً بك في بلدك.. بدايةً، حبذا لو تطلعنا أين وصلت قضية «منتظر»، وما هي ظروفه في المعتقل؟

• مايزال «منتظر» محتجزاً بقسم «لواء بغداد» التابع لرئاسة مجلس الوزراء، وهو معتقل خاص بـ«الإرهابيين»، ويعامَل كإرهابي وليس كمعارض للاحتلال. وبالنسبة للقضية مازلنا نراوح في المربع الأول، وكما تعلمون، أراد المحتلون ومن يسبح في فلكهم منذ البداية أن يحاكموه بناء على المادة 223 والتي تنص على أن من يعتدي على رئيس جمهورية أو شرع بقتله يحكم عليه لمدة خمسة عشر عاماً. ونحن نسعى أن تتم محاكمته وفق المادة 227 من الدستور المتعلقة بـ«إهانة رئيس جمهورية»، وحكمها بين يوم وستة أشهر سجن فقط، وفي هذه الحالة يمكن دفع غرامة مالية بمقدار 200 دينار (أربعين سنتاً) مع إيقاف التنفيذ، ومن أحد أسباب المراوحة في المكان عدم نزاهة القضاء العراقي الذي أصبح تتحكم به قوات الاحتلال، فهذا القضاء رفض إعطاءنا أية وثيقة تثبت وجود منتظر في أي سجن، حتى أنهم أنكروا اعتقاله كلياً حين طلبنا عن طريق المحامي تقريراً طبياً عن وضعه الصحي. وعموماً فإن المحاكمة مازالت تؤجّل، ويبدو أنها لن تتم إلا بعد الانتخابات تجنّباً لتداعياتها..

لكن المشكلة أن منتظر ما يزال منذ 36 يوماً يتعرض لتعذيب جسدي ونفسي شديد، وفي المرة الوحيدة التي التقيته، كانت آثار التعذيب بادية على كل أنحاء جسمه وخاصة اليد التي ضربت بوش بالحذاء، كما تم قلع أحد أسنانه، وهناك نزيف في يده اليسرى وتوجد آثار إطفاء السجائر بإحدى أذنيه، كل ذلك لأنه رفض الاعتذار من بوش، وإصراره المتواصل أنه مقتنع بما قام به ولا شيء يغير من قناعاته.

هل تعتقد أن ما فعله منتظر يمثل رغبة حقيقية في نفس ووجدان كل العراقيين؟

• بالتأكيد، هي رغبة حقيقية لكل شرفاء الشعب العراقي.. عندما سُئلت هل كان منتظر يخطط لهذا الفعل أم هو فعل آني، كان ردي أن كل مواطن عراقي شريف يشعر برغبة جامحة للانتقام من بوش وزبانيته بسبب ما فعلوه بالعراق والعراقيين، ولكنهم قد يختلفون حول شكل وطبيعة الانتقام، أما منتظر فوجد، أن رمي بوش «بالصرماية» هو خير انتقام من هؤلاء الأوباش، وتسنت له الفرصة للقيام بذلك.

ما القيمة الرمزية للعمل البطولي الذي قام به منتظر؟

• لقد جاءتني اتصالات مجهولة المصدر من بعض رجالات المقاومة العراقية التي تشمل مجمل الشعب العراقي، وأحدهم قال لي: «إن ما فعله شقيقك خلال دقيقة واحدة لا يقل أهمية عما قمنا به خلال خمس سنوات»، فرمزية الواقعة أن بوش ظن أنه جاء إلى العراق مرفوع الرأس وسيغادره مرفوع الرأس، لكنه خرج مخزيّاً، خاصة بعد أن تحدى الأمة باتفاقيته الأمنية، لكن نال جزاءه برمية حذاء.. ففي المؤتمر الصحفي قال: «أودعكم بالقبلات وأترك السلطة لسلفي أوباما»، وعندها أعطاه منتظر قبلة الوداع على الطريقة العراقية، وشفى غليل العراقيين منه.

بالانتقال إلى القضية الأساسية، قضية الاحتلال الأمريكي للعراق، من المعروف أن أول ما قام الأمريكيون به هو زرع الفرقة والفتنة بين الشعب العراقي، برأيك إلى أي مدى نجحوا بذلك؟

• ربما نجحوا في البداية نتيجة زرع الأوهام لدى البعض، لكن الحيلة لم تنطلِ كلياً على الشعب العراقي كما في يوغوسلافيا والبلقان، وقد دفعنا شهداء أبرياء بما فيه الكفاية، والحقيقة أن اللحمة بدأت تعود بين الشعب العراقي، وتوطدت أكثر بعد ضرب بوش بالحذاء، فقد جاء إلى بيتنا للتضامن مع منتظر كل أطياف الشعب العراقي من «سنة وشيعة وعرب وتركمان وأكراد». ومع أن الكثير من الساسة من مختلف الانتماءات استنكروا فعلة منتظر إلا أن الشعب العراقي حياه وآزره.

الآن، هل هناك احتضان حقيقي للمقاومة من الشعب العراقي؟

• في العراق توجد المقاومة، والمقاومة الحقيقية برأينا هي المقاومة التي تستهدف جيش الاحتلال، وعدا ذلك ليس بإمكاننا تسميتها بالمقاومة، وخاصة تلك التي تستهدف المدنيين العزل. نحن نقبّل كل الأيادي التي تقتل الغزاة الأمريكان، تلك هي المقاومة الشريفة..

فيما يتعلق ببعض الأوهام التي حملها الاحتلال معه، هذه الأوهام حرفت الكثير من القوى السياسية عن المهمة الحقيقية التي من المفترض أن تقوم بها، وهي مقاومة الاحتلال، وبعضهم دخلوا مع الدبابة الأمريكية وحملوا رايتها.. الآن ما هي صيغة المقاومة؟ هل هي إسلامية، قومية، طائفية، أم فيها كل مكونات الشعب العراقي وأفكاره؟

• المقاومة ليست حكراً على شخص أو فئة أو جهة.. في العراق استشهد مقاومون من كل أطياف الشعب، العراق محتل، وعلى كل شريف يحب بلده المقاومة بكل استطاعته لتحريره من ربقة الاحتلال.

قيل الكثير عن الإيديولوجية التي يحملها منتظر، وهناك من تبرأ منه، فيما المتبرئ منه هو الخائن لاستقوائه بقوات الاحتلال.. فماذا تقول في ذلك؟

• العراق في تقييمه لما قام به منتظر انقسم إلى قسمين، قسم ارتضى الهوان استهجن فعلته، وقسم قال إن ما قام به يمثل الشعب العراقي.. منتظر إنسان مستقل، لكنه علماني، ولديه أفكار تحررية ووطنية، ومثله الأعلى المناضل الكبير أرنستو تشي غيفارا، فهو محب وعاشق له، ومنتظر عدو لدود للرأسمالية، والإيديولوجية والتوجهات المقتنع بها تشابه توجهات غيفارا الذي استشهد وهو يقاوم الأمريكيين، وعندما فعل ما فعله قال لي إنه كان متوقعاً بأن يستشهد، وهكذا هو حال الأحرار في كل أنحاء العالم من غيفارا إلى منتظر.

كيف يمكن وصف ظروف الشعب العراقي الاقتصادية والاجتماعية في ظل الاحتلال؟

• في ظل الاحتلال، الملايين من الشعب العراقي هُجّروا من منازلهم، ومنهم من غادر البلاد كلياً، فالاقتصاد العراقي متدهور جداً، وسيزداد تدهوره نتيجة الأزمة المالية الحالية، ونتيجة هذه الظروف القاسية هناك الكثير من العراقيين يتطوعون في الجيش والشرطة أملاً في تحسين مستواهم المعيشي باعتبار المتطوعين فيهما سيصيرون من أصحاب الرواتب الممتازة، والأسرة التي لم يدخل أحد أبنائها هذا السلك العسكري هي في عوز مستمر.

هل يعني هذا أن الأمريكان قدموا هذا الامتياز كنوع من الرشوة لكي يضطر الناس للجوء إلى الجيش والشرطة؟

• هم فعلوا هذا لكي لايذهب العدد الأكبر إلى صفوف المقاومة.

قوات الاحتلال الأمريكية عملت بشكل أو بآخر على إيجاد سلطة تتماهى مع الاحتلال وتأتمر بأمرها.. كيف ينظر العراقيون إلى هذه السلطة؟

• من في السلطة يعدّون أنفسهم أنهم جاؤوا عن طريق انتخابات ديمقراطية، لكن يعيب الشعب عليهم أنهم جاؤوا مع الاحتلال، إن تم انتخابهم أو لم يتم ذلك، والمؤسف أن منهم من جاء على الدبابة الأمريكية.

نحن كصحيفة شيوعية وكجهة سياسية تنطلق من الماركسية- اللينينية نرى أنه الآن لم يعد كل من يدعي اليسارية يسارياً، ولا كل من يقال عنه يميني يجب معاملته كيميني، ونعتقد أن الوطنيين الحقيقيين هم الذين يقفون بشكل واضح ضد المشروع الأمريكي- الصهيوني، فكيف تنظرون للشيوعيين، ولليسار عموماً؟

• الحزب الشيوعي في العراق كان ممنوعاً وسرياً، ودائماً كانت تتم تعبئة الشعب العراقي ضده من منطلقات دينية بحتة، لذلك كان جزء من الشعب يتبرأ من كل مايرتبط بالشيوعية لتأثره بهذه الفكرة، فكرة أن الشيوعيين كفرة، ولكن عندما دخلت قيادة الحزب الشيوعي حكومة الاحتلال كرهها الشعب العراقي، لكن لم يعد هذا الكره مرتبطاً بالدين، بل بالخيانة الوطنية.. لقد تفاجأت في سورية بموقف الشيوعيين السوريين وخاصة اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين ومواقفها ضد الاحتلال، وضد الخطأ الذي وقع به الحزب الشيوعي العراقي. هناك شيوعيون عراقيون شرفاء يعملون مع المقاومة ضد الاحتلال لكنهم مهمشون، وفي العموم يقول المثل «ليست كل أصابعنا متساوية»..

ما هو السبيل برأيك، لطرد الغزاة وتحرير العراق من الاحتلال؟

• الاحتلال بدأ يُطرد عملياً من العراق بسبب الضربات المتتالية والمستمرة من المقاومة والشرفاء، العراقيين، الاحتلال يريد الخروج بماء الوجه، لأنه تورط بالعراق. المستنقع العراقي كان أكبر من المستنقع الفيتنامي، وإلى هذه اللحظة هناك مايقارب من خمسة آلاف قتيل أمريكي حسب إحصائياتهم التي تكذب كثيراً، فالعدد أكبر من ذلك بكثير، ومع ذلك فالعدد المعترف به كبير بالنسبة لقوات كوماندوس مهيأة ومدربة ومسلحة بأحدث أنواع الأسلحة والمعدات، الأمريكان يتخبطون، ويظهر هذا في كل وقت، وتصريحاتهم تدل على ذلك، ففي بادئ الأمر قالوا إننا احتللنا العراق، ثم قالوا إنهم سيسلمون السلطة في 1/6/2004، ومع ذلك بقوا، ثم حاولوا تدبير حيلة لإنهاء تورطهم، وعند تسلمه الرئاسة قال أوباما «سنترك العراق للعراقيين».. ولكن السؤال للأمريكيين: ماذا أبقيتم من العراق حتى تتركوه للعراقيين؟ ماذا فعلتم بالعراق، وماذا أعطيتم العراق، وما هي الميزة التي صنعتموها سوى مليون شهيد وخمسة ملايين يتيم وأكثر من مليون أرملة وثكلى، وتدمير البنية التحتية، ومحاولة القضاء على حضارة وادي الرافدين؟ /60/ ألف قطعة أثرية بيعت في تل أبيب ونيويورك واليابان وبعض دول الخليج، من يسدد كل هذا الدين للعراقيين؟

سأورد كلاماً أعتذر سلفاً لإيراده، وأنا أصرح به لأول مرة ولكن للضرورة أحكام، منتظر رجل حر من الشيعة.. الأمريكيون كانوا يدعون أن السنة ضدهم والشيعة والأكراد معهم، لكن بعد ضرب منتظر للسفاح بوش، الأمريكان خسروا هذه المراهنة رغم تهويلهم إعلامياً بأنهم أنقذوا الشيعة والأكراد من صدام وجرائمه، وبأنهم استُقبلوا بالورود وسيودعون بالورود، لكن منتظر أثبت أن وداعهم سيكون بالأحذية. وباعتبار أننا شيعة، وبسبب خروج معظم المناطق والمحافظات الشيعية لتأييد قضية منتظر، خسر الأمريكان إمكانية اللعب بهذا الكرت، ولم يبق بيدهم سوى كرت بعض القيادات السياسية من كل الطوائف والقوميات..

فيما يتعلق بالأكراد العراقيين.. نحن نعلم أن منهم من حملوا السلاح ضد الأمريكان واستشهدوا دفاعاً عن العراق ووحدة أرضه وشعبه.. وتابعنا وغطينا في قاسيون المظاهرات العمالية ضد حكومة إقليم الشمال.. كيف ينظر بقية أطياف الشعب العراقي لهذه النقطة؟

• في شمال العراق، كما في الحكومة المركزية هناك شعب وهناك حكومة، وحكومة الشمال تختلف عن شعبه، لذلك فالأكراد العراقيون مثلهم مثل بقية الشعب العراقي منهم من جاع، ومنهم من سلبت منه دياره، وبالتالي فتحفظاتنا على الساسة الأكراد وليس على الأكراد. عندما ضرب منتظر بوش بـ«الصرماية» حسب اللهجة السورية» انتفض مؤيداً كل من يعارض وجود الاحتلال والتابعين له من الساسة.

المشروع الأمريكي شامل للمنطقة بأسرها.. برأيك ما دور كل القوى الشريفة في المنطقة في مقاومة هذا المشروع الإمبراطوري.

• لو أن كل دولة في المنطقة عملت على قاعدة «اللهم أسألك نفسي»، فإن الجميع سيحترق. الأمريكان يعملون وفق سياسة الترغيب والترهيب، دول الخليج حين وقعت بين خيارين: الاحتلال أم بناء القواعد، فضّلوا لأنفسهم القواعد التي رفضها العراق جملة وتفصيلاً، الدول التي لم تستطع أمريكا دخولها احتلتها عسكرياً.. وهكذا فالمشروع مستمر، وإنني أرى أن قصة «الهلال الشيعي» حسب التصريحات الأمريكية الممتد بين إيران ـ العراق ـ سورية ـ لبنان، وغزة (وهي ليست شيعية)، هي محض ادعاء غايته تفريق إرادة شعوب المنطقة.. هذا ليس هلالاً شيعياً، بل هو هلال مقاومة وممانعة، وأمريكا تخاف منه كثيراً، وهو محور رفض للمشروع الأمريكي في المنطقة، وهذا الهلال هو الضامن لقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.

إن أكثر الدول التي تخاف منها أمريكا هي (العراق وإيران وسورية) وجنوب لبنان المقاوم بالإضافة لحماس وفصائل المقاومة في فلسطين، وهذا هو هلال الرد السريع لإفشال المخططات الأمريكية، ومهما سموه بتسميات مختلفة فهو بالنسبة لنا الهلال المقاوم.

هل من كلمة أخيرة؟

• أشكر الإخوة في اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين وجمع العاملين في صحيفة قاسيون على هذه الاستضافة.. لقد أجريت مقابلات عدة مع وسائل إعلامية مختلفة، لكن قاسيون كانت متميزة حقاً.. وأشكر موقفكم الذي ربط قضية منتظر بالقضية العراقية ككل.. وبفضلكم عرفنا الآن الشيوعيين الحقيقيين واليساريين الحقيقيين.

آخر تعديل على الثلاثاء, 29 تشرين2/نوفمبر 2016 00:02