جديد الجبل الأسود: نشاط خفي للسفارة الأمريكية
في 17/6/2016، صوّت برلمان الجبل الأسود (إحدى جمهوريتي يوغوسلافيا الجديدة، بعد أن انفصلت عن الاتحاد اليوغوسلافي السابق أربعٌ من جمهورياته الست، ما بين عامي 1991 و1992، لتقتصر «يوغوسلافيا» على جمهوريتين فقط هما صربيا والجبل الأسود) على قرار يدعم الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي «الناتو». ومع ذلك، فقد اعتمد وثيقة مماثلة تقريباً قبل أقل من عام. ووراء هذا القرار الجديد تقف سفارتا الولايات المتحدة وألمانيا.
في اقتراح القرار المقدم من أعضاء البرلمان من «الحزب الديمقراطي الاشتراكي» و«حزب الجبل الأسود الإيجابي» و«الحزب الاشتراكي الديمقراطي» و«الحزب الليبرالي» وأحزاب الأقلية، تتم الإشارة إلى أنه على مدى السنوات العشر الأخيرة من «استقلال» الجبل الأسود، أثبتت الرؤية الواضحة والمثابرة في تحقيق أولويات السياسة الخارجية الاستراتيجية صوابيتها من خلال عضوية منظمة حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.
لماذا تكرر القرار؟
السبب في تكرار هذا القرار هو إعادة تشكيل حكومة الجبل الأسود. إذ أنه وعندما بدأت الجبهة الديمقراطية المعارضة احتجاجات ضد الرئيس ديوكانوفيتش، شارك فيها عدد كبير من المواطنين، وسرعان ما تورطت فيها السفارة الأمريكية. ثم أصبح الهدف الرئيسي إنقاذ حكومة ديوكانوفيتش. لذلك قرروا بدلا من تنحية ديوكانوفيتش عن السلطة تشكيل «حكومة وحدة وطنية».
دعيت المعارضة كلها للانضمام إلى الحكومة. رفضت الجبهة الديمقراطية، ولكن أحزاب المعارضة الثلاثة، تحت ضغط من سفارة الولايات المتحدة، دخلت في الحكومة. يسمح هذا لديوكانوفيتش بالبقاء في الحكومة، والآن، يهدف هذا القرار إلى إرسال رسالة جديدة لمراكز القوى في الغرب، بأنه بعد إعادة تشكيل الحكومة بأغلبية برلمانية كبيرة يمكن الانضمام إلى «الناتو».
في الوقت نفسه، وصلت فرقاطة صواريخ تابعة لحلف شمال الأطلسي إلى الجبل الأسود وهي سفينة القيادة الإيطالية «يبيشيو F-572» في مناورات دولية لثلاثة أيام شارك فيها إلى جانب السفينة الحربية الإيطالية، سفن حربية من اليونان وألبانيا والجبل الأسود وكرواتيا وسلوفينيا. الأعضاء االمشتركين في المناورة جميعهمباستثناء الجبل الأسود، هم أعضاء في حلف شمال الأطلسي، ولكن بحرية الجبل الأسود تعاونت معهم لسنوات.
ماذا تريد واشنطن؟
لدى الولايات المتحدة هدفان أساسيان فيما يتعلق بالجبل الأسود: يستند الهدف الأول على حقيقة أن الحليف الرئيسي لروسيا في البلقان هو صربيا والصرب بشكل عام، بمن فيهم جمهورية الهرسك الصربية، وهي الآن جزء من البوسنة والهرسك، لكن على الورق فقط. وهاتان الدولتان (البوسنة والهرسك) محاصرتان اليوم من قبل دول «الناتو»، باستثناء التواصل الوحيد مع الجبل الأسود ومقدونيا.
لكن مقدونيا لا تستطيع الوصول إلى البحر. وبالتالي، فإن انضمام الجبل الأسود إلى حلف شمال الأطلسي يمكن أن يكون سلبياً للغاية بالنسبة لروسيا، وهذا هو الهدف النهائي للولايات المتحدة. الجبل الأسود هو الجزء الوحيد من البحر الأدرياتيكي (أحد فروع البحر المتوسط الذي يفصل شبه الجزيرة الإيطالية عن شبه جزيرة البلقان- المحرر) الذي ليس تابعاً إلى حلف شمال الأطلسي.
وإذا ما حدث عدم استقرار في البلقان أو صارت البلقان في حالة حرب، فقد تجد روسيا نفسها في هذه الحالة عاجزة عن تقديم المساعدة إلى صربيا نظرا لتطويقها من دول حلف شمال الأطلسي، من ألبانيا عبر اليونان وبلغاريا ورومانيا والمجر وكرواتيا. وقد شهدت روسيا بالفعل مثل هذه الحالة مع بلغاريا عندما أغلقت بلغاريا مجالها الجوي أمام الطائرات الروسية في طريقها إلى سورية في شهر أيلول لعام 2015.
ضرب الروابط مع روسيا
وهكذا، فإن المهمة التي تواجه روسيا اليوم هي مساعدة شعب الجبل الأسود ليكون قادراً على الوقوف بوجه خطة رئيس الجبل الأسود ديوكانوفيتش لإدخال البلاد إلى حلف شمال الأطلسي. ومن الواضح أن زعزعة الاستقرار في البلقان هي العملية التي يتم العمل عليها حالياً. نرى الآن قيام الحركة القومية الفاشية في كرواتيا والبيانات المتكررة ضد الصرب من سراييفو، والسياسة المعادية للصرب ومكافحة «المقدونية» في الهياكل السياسية وشبه العسكرية الألبانية. كل هذا يعقد الوضع الجيوسياسي في المنطقة، ولكن من الواضح أن الذي يشجع هذه العمليات من الخلف هو الولايات المتحدة.
الهدف الثاني للولايات المتحدة هو قطع الدائرة الروحية والحضارية التي ينتمي لها تاريخ الجبل الأسود. فتحت قيادة ميلو ديوكانوفيتش، جرى كسر التقاليد والتاريخ والثقافة والروحانية في الجبل الأسود. وفي عام 2007، بعد إقرار الدستور اعتمدت «لغة الجبل الأسود» كلغة رسمية، على الرغم من أن معظم السكان يتحدثون الصربية. جميع النقوش العامة وأسماء المؤسسات والمدارس مكتوبة الآن بالأحرف اللاتينية في حين كانت قبل ديوكانوفيتش مثلما كان كل شيء مكتوبا بالأحرف الكيريلية. يولون اهتماماً خاصاً لغسل أدمغة الأطفال في المدارس حيث وضعت كتب التاريخ بما يتماشى مع السياسة الرسمية، وحتى ولو لم تكن مبررة علمياً، لا تزال تفرض فرضاً. على الرغم من أن الجبل الأسود على مر التاريخ كان صربياً وكان دائماً مع روسيا، اليوم تحاول الحكومة تغيير هذا الواقع.