هذه حصيلة الانتخابات البلدية في لبنان
نجح استحقاق الانتخابات البلدية في لبنان بأن يتخذ لنفسه طابعاً جديداً، مختلفاً تمام الاختلاف عن الطريقة السابقة التي كانت نتائجه فيها «محسومة مسبقاً» لمصلحة قوى المال، بفعل نظام المحاصصة السياسية السائد في لبنان منذ الحرب الأهلية.
بعد سلسلة من التحركات الشعبية، النقابية والمطلبية، التي شهدت مستويات متفاوتة من التنظيم، لم يكن من الممكن أن يمر استحقاق الانتخابات البلدية «مرور الكرام»، إذ أن الشارع الذي وصل إلى مراحل غير مسبوقة من الاحتقان وجد نفسه أمام «مواجهة ديمقراطية» ضد قوى الفساد والتحاصص اللبناني.
الانتخابات فرضت على قوى المال
حاولت قوى المال في لبنان- التي تدرك أنها عملياً في ورطة كبرى بعد تصاعد الحركة الاحتجاجية- تأجيل الانتخابات البلدية. وبعد أن جرى فرض الانتخابات فرضاً عن طريق الضغط الذي مارسته القوى السياسية المشاركة في الحراك اللبناني، لجأت قوى المال هذه إلى «الخطة ب»، المتجسدة في العمل على تحويل الانتخابات البلدية إلى مساحة لتأكيد إمساكها بمفاصل الشأن العام جميعها، وإلى ربط العمل البلدي بأساليب «شراء الذمم» التي أتقنت تلك القوى العمل عليها خلال الأعوام السابقة.
تبدت أولى نتائج الاستحقاق الانتخابي في تجل واضح لحالات الاعتراض الواسعة، التي تم التعبير عنها بنسب الأصوات المتدنية التي حصلت عليها اللوائح السلطوية، كما جرى في بيروت على سبيل المثال، وبرفض اللوائح السلطوية المعلبة، وبتمكن الشيوعيين وحلفائهم والنقابيين والتحركات الشعبية من تحقيق نتائج إيجابية، يمكن التعويل عليها، رغم الإمكانيات المالية شبه المعدومة، ورغم استخدام الضغوط والتهديدات والرشاوى المالية. كما تبين أن أحزاب السلطة، والثنائيات الطائفية قد تتحالف وقد تختلف وفقاً للحسابات السياسية، لكنها في الحالات جميعها تتوحد في وجه البدائل الديمقراطية.
ومن القضايا التي حملتها القوى المناوئة للسلطة، والمشاركة في العملية الانتخابية، ما يتعلق بالنضال من أجل إستحداث قوانين عصرية للانتخابات البلدية والنيابية والنقابية، تقوم على أساس النسبية، وخفض سن الإقتراع، والتصويت في مكان السكن، وتوفير شروط التكافؤ في الحملات الانتخابية، بإبعاد دور المال والرشوة والسلطة، وبإستحداث بلديات موسعة أو مجالس أقضية منتخبة.
ماذا جنى الشيوعيون؟
في بيروت، لم يكن للحزب الشيوعي اللبناني مرشحين مباشرين، بسبب تزامن فترة التحضير للانتخابات البلدية مع ذروة التحضيرات المؤتمرية، فأخذ الحزب قراراً بدعم المرشحين اليساريين الحلفاء والمرشحين الديمقراطيين المناوئين للائحة السلطة. وبناء عليه، دعم الحزب لائحة الوزير السابق، شربل نحاس «مواطنون ومواطنات في دولة» التي نالت حوالي 9000 صوت (10% من الأصوات)، كما دعم العديد من مرشحي لائحة «بيروت مدينتي» التي نالت 32000 (34% من الأصوات) في ظاهرة مهمة جداً في بيروت.
أما في البقاع، فقد تمكن العشرات من الشيوعيين من الفوز بمقاعد عضوية أو مخاتير سواء ضمن لوائح تحالفية أو ضمن توافقات محلية مثل بلدات العين، ورعيت، وقوسايا، ودير الغزال، وقب الياس، وعرسال. كما خاضوا ترشيحات لم تتمكن من الفوز مع تسجيل نسب عالية من الأصوات في مشغرة، وبعلبك، وتمنين، والهرمل، واللبوة، والفاكهة وغيرها. وكانت انتخابات عرسال لافتة إلى حد بعيد، لاسيما مع تمكن اللائحة التي دعمها الشيوعيون من إلحاق هزيمة كبيرة برئيس البلدية السابق، المحسوب على الجماعات المتشددة.
وفي الجبل، فاز الشيوعيون اللبنانيون بالعضوية البلدية ضمن لوائح خاضت معارك انتخابية حامية مثل بلدات: كفرمتى، وفالوغا، وراس المتن، ومجدليا، والبساتين، وبصاليم، والمشرف، والحصون، والشويفات، ونيحا الشوف.
وحققت اللوائح المدعومة من الحزب الشيوعي اللبناني في مختلف أقضية الجنوب نتائج مميزة ومشرفة في الانتخابات البلدية. وأظهرت النتائج العديد من الأمور أهمها التقدم الكبير في نسب وعدد الأصوات التي نالتها اللوائح المدعومة من الحزب، وكذلك أظهرت سعة انتشار الحزب في قرى الساحل في الزهراني، وصور، والوسط في منطقة النبطية، وبنت جبيل، والداخل مثل قرى العرقوب، وقرى منطقة مرجعيون وحاصبيا.