ألمانيا: «أزمة الاقتصاد الحديدي»

ألمانيا: «أزمة الاقتصاد الحديدي»

الاقتصاد الحديدي، اقتصاد الماكينات، القوة الاقتصادية العالمية الرابعة، اقتصاد قوي ومتماسك، المكان المثالي للهجرة والحياة.. وغيرها، هي الألقاب التي نعرفها عن الاقتصاد الألماني القوي أوروبياً، لكن خلف ذلك كله، هل هناك ما لا نعلمه عن أزمات هذا الاقتصاد؟

إذا كان العديد من الباحثين الاقتصاديين لا ينكرون على الاقتصاد الألماني قوته، مقارنة بنظرائه في القارة الأوروبية، إلا أن معظم هؤلاء الباحثين لا ينكرون أيضاً أن الأزمة الاقتصادية الحالية التي يعيشها هذا الاقتصاد، في سياق الأزمة الاقتصادية العالمية، ستكون تبعاتها على الأرجح أقوى من تلك التي سادت في عام 2008. ومن ذلك، نسلط الضوء على بعض الأزمات التي يعانيها الاقتصاد الألماني:
«دويتشيه» والأزمة المصرفية
أعلن بنك دويتشيه- وهو أكبر البنوك الألمانية- عن هبوط أرباحه للربع الأول من عام 2016 بنسبة 58%، وهو ما اعتبر مؤشراً على بداية أزمة مالية في البنوك الألمانية، حيث أن هذا البنك يتحكم في سياسة الإقراض الألمانية، ويمتلك سلسلة ضخمة من الفروع في ألمانيا وأوروبا.
وبعد ظهور النتائج، سارع البنك إلى إلغاء 35 ألف وظيفة، وتسريح القائمين بها بشكل نهائي، وإغلاق عملياته في 10 بلدان، وتخفيض الاستثمارات المصرفية إلى النصف. وسبق للبنك أن تعرض لخسائر كبرى في العام 2015 بلغت قيمتها 5.2 مليار يورو.
فوضى تسريح العمال والموظفين
يعمل في شركة تطوير الحواسيب العالمية «IBM» أكثر من 16500 موظف في ألمانيا، وكانت الشركة قد أعلنت عن تسريح 3000 موظف منهم في 2016، أي 18% من مجموع الموظفين، وجرى تسريح 1000 عامل في شهر آذار الماضي، على أن يتم تسريح البقية في وقت لاحق خلال هذا العام، بسبب سوء شروط الاستثمار، وهبوط قيمة السهم الواحد من 150 دولار إلى 118 دولار، حسب تصريحات الشركة، بالإضافة إلى تسريح 2500 موظف خلال العامين القادمين، وتسريح 900 من موظفيها في السويد.
كما قامت شركة صناعة القطارات الكندية «بومبارديه»- التي تعمل في مناطق شرق ألمانيا- بتسريح 1430 موظف خلال شهر، بالإضافة إلى تسريح 700 موظف في مدينة غورليتس، و1000 عامل في المناوبة الليلية في بوتزن وغيرها.
الاستثمار في الأزمة اليونانية
حسب معهد «هايل» للدراسات الاقتصادية في ألمانيا، فإن الحكومة الألمانية استفادت من أزمة اليونان عن طريق توفير حوالي مئة مليار يورو بعد انخفاض تكلفة الاقتراض. وكان المستثمرون قد اتجهوا إلى التداول في الأصول الألمانية، ومن بينها السندات الحكومية، التماساً للأمان الذي تتمتع به تلك السندات، بعد زيادة احتمال خروج اليونان من منطقة اليورو.
وأضاف المعهد في دراسته التي أعدها بهذا الشأن أنه حتى في حال وصول اليونان إلى التعثر الكامل، سوف تستمر ألمانيا في تحقيق مكاسب من تلك الأزمة. وأشار المعهد إلى أن ألمانيا وفرت عائدات السندات الحكومية، التي تسددها للمستثمرين، بواقع 3% من ناتجها المحلي الإجمالي.
تراجع مؤشرات
 الصناعة الألمانية
كشفت بيانات رسمية ألمانية تراجع الإنتاج الصناعي في ألمانيا بأكثر من التوقعات خلال شهر آذار الماضي، وأعلنت وزارة الاقتصاد الألمانية، أن الإنتاج الصناعي قد تراجع بنسبة 1.3% خلال تلك الفترة، وهو أعلى معدل شهري للهبوط منذ آب 2014.
تراجعت معنويات الشركات الألمانية على غير المتوقع في نيسان الماضي، مع تزايد تشاؤم الشركات من الوضع الحالي. مؤشر مناخ الأعمال- الذي يستند إلى مسح شهري يجريه معهد إيفو الألماني لنحو سبعة آلاف شركة- انخفض إلى 106.6 نقاط في نيسان مقارنة بـ106.7 نقاط في آذار الماضي، مقارنة بـ109 في تشرين الثاني 2015. ويأتي تراجع المؤشر بسبب التدهور في قطاعي المبيع بالجملة والتجزئة في المقام الأول.
كما انخفض الطلب على الصناعات الألمانية بشكل غير متوقع منذ أيلول 2015، وأكدت وزارة الاقتصاد الألمانية أن عقود الطلبيات على الصناعة الألمانية انخفضت بنسبة 1.7%، وهو انخفاض يعد الأول منذ صيف 2011، كما انخفض الطلب العالمي على الصناعات الألمانية بنسبة 2.4%، وهبط نمو الإنتاج الصناعي إلى 0%، ووصل التباطؤ في الاقتصاد الألماني للعام الحالي إلى 1.3%.
وسببت أزمة الغش في الانبعاثات السامة في صناعة السيارات الألمانية «فولكس فاغن» تراجع مؤشرها بنسبة 12 نقطة في نهاية 2015، وقد تسببت في خسائر سوقية لأسهم الشركة بنحو ثلاثين مليار يورو التي تمثل 17.9 من الصادرات الالمانية، بالإضافة إلى تراجع مؤشر سوق الأسهم الألماني. وهو أكبر معدل للهبوط منذ العام 2009. في ظل توقع مراقبين بأزمة مالية مقبلة في ألمانيا ستجر معها الاتحاد الأوروبي كله، ولن تسلم منها حتى بريطانيا.
اللاجئون: دماء شابة
في الكهل الألماني
تقول أليسون سمايل، مراسلة إنترناشيونال نيويورك تايمز في ألمانيا، أن من أكبر التحديات التي واجهت ألمانيا خلال العام 2015 هي إيواء اللاجئين، معتبرة أنه هناك «نضال ألماني» لدمج اللاجئين!
حصل 660 ألف لاجئ على سندات إقامة في 16 مقاطعة، وحسب وكالة التوظيف الفيدرالية أن لديهم شواغر لـ100 ألف عامل غير مدرب في ألمانيا، بالإضافة إلى أن عدد الأشخاص القابلين للتوظيف ممن يمتلكون مهارات عمل بلغ 280 ألفاً، أغلبهم من السوريين. بينما لم يحصل 400 ألف لاجئ على الإذن بالبقاء حتى الآن، على أن يتم ترحيل الأفغان والأفارقة لاحقاً.
وصف موقع «ماركيتس فويس» اللاجئين بالدماء الشابة في عروق الكهل الألماني، وترى الحكومة الألمانية فيهم طوق النجاة من أجل الإفلات من شبح التباطؤ في الاقتصاد وتراجع النمو الذي بدأ يخيم على ألمانيا منذ نهاية 2015.
يتقاضى اللاجئون يورو واحد لكل ساعة عمل، وهذا أدنى من أجور عمل طلاب الجامعات التي تبلغ 3-7 يورو للساعة، وأدنى من أجرة العامل الألماني البالغة 10 يورو للساعة على الأقل، هنا تظهر تناقضات الاقتصاد الألماني. وفي الوقت الذي قامت فيه ألمانيا بتسريح 45 ألف عامل ألماني تهيئ لدمج اللاجئين وتوظيف 100 ألف عامل غير مدرب، حسب تصريحات وزيرة العمل الألمانية، أندريا نالس، لموقع «صوت ألمانيا».
كان العمال الألمان المسرحون يتقاضون ما مجموعه 450 ألف يورو عن كل ساعة عمل، سيستعاض عنهم بعمال يتقاضون 45 ألف يورو عن كل ساعة عمل، أي البحث عن اليد العاملة الرخيصة هو الحل المقترح من قبل الحكومة الألمانية، ولكن شبح الأزمة استيقظ بتأثيرات مضاعفة هذه المرة.