ستيركوه ميقري ستيركوه ميقري

عن وهم «المصالحة» .. و القضية الفلسطينية في خبر كان !..

تتصاعد الأحداث الجارية في غزة وتزداد تعقيداً نتيجة للصراع الدائر بين سلطة رام الله « فتح »وبين سلطة غزة المنحلة « حماس »، جاءت الانتخابات البلدية الأخيرة هزلية لتختزل حالة الانقسام تحت الاحتلال في صورة المضحك المبكي.

ففتح ترى في إجرائها  شرطاً لا غنى عنه لإتمام المصالحة في حين أن حماس ترى ضرورة عدم اجرائها كشرط لإتمام المصالحة المنشودة حيث تقول إنها لا تملك ضمانات لنزاهة الانتخابات!

 في المقلب الآخر تزداد «اسرائيل» تعنتاً بسياساتها التوسعية وهو مادفعها إلى إعلان  قرارها الأخير في اعتبار الضفة الغربية أرضاً غير محتلة، مما يعني إضفاء الشرعية على مستوطنات الضفة الغربية بما فيها المستوطنات العشوائية، وأعلنت مباشرة بعد هذا القرار عن نيتها لبناء 800 وحدة استيطانية جديدة في جنوب القدس المحتلة.

سمح هذا الوضع المتأزم على قضية فارغة بين فتح وحماس ل»إسرائيل» بالاستفراد بقطاع غزة وتوجيه الضربة تلو الأخرى للمقاومة الفلسطينية فيه من خلال الغارات الجوية التي تستهدف قتل النشطاء وقادة المقاومة من حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وشهداء الأقصى ولجان المقاومة الشعبية وغيرهم..، وآخر هذه الضربات كانت استهداف مراكب الصيادين الغزاويين ثم الاستيلاء على الباخرة إيستيل التي كانت متوجهة إلى غزة وعلى متنها عدد من المتضامنين الأوربيين مع القضية الفلسطينية وبالمقابل ردت المقاومة على هذه العمليات بإطلاق صواريخها على المستوطنات القريبة منها في صحراء النقب.

 

حماس وأزمتها الداخلية:

تتعقد الصورة الحقيقية لما يجري داخل حركة حماس، وخاصة فيما يتعلق بانتخاب قيادة جديدة للمكتب السياسي، إذ تبدو الحركة من الداخل مشوشة والتقاريرحولها متضاربة، لأن من حيث الأسماء أو من تصارع الأجنحة، وتدخلات الأطراف المختلفة، الإقليمية والدولية ومسارات العمل المستقبلية. ففي حركة حماس يجري صراع شديد، فأجنحة الداخل تدعم بعض المواقف الخاصة  برئيس المكتب السياسي الحالي خالد مشعل الذي أعلن أنه لن يترشح لرئاسة المكتب السياسي، ويحاول موسى أبو مرزوق أن يعود مرة أخرى إلى المنصب الذي اضطر لمغادرته في السابق، وأما القيادات الأخرى المنافسة له والأوفر حظاً للوصول إلى رئاسة المكتب السياسي للحركة كإسماعيل هنية فالبعض يصفها بأنها ما زالت مبتدئة في عالم السياسة، ولا يمكن أن تخاطر حماس في هذه المرحلة الحساسة بتسليم دفة القيادة إلى أشخاص من هذا النوع، وقد حاول مشعل في الفترة الأخيرة التقليل من خبرة قيادة حماس في غزة على قيادة كيان سياسي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وأنه لا يمكن المقارنة بين حركة حماس وأطر سياسية إسلامية تسلمت مقاليد الحكم في العالم العربي.

خيارات السلطة:

يبدو أن الرئيس الفلسطيني مازال يعمل بالعقلية نفسها حيث يعمد الآن على صوغ طلب جديد من الجمعية العامة للاعتراف بمناطق السلطة الفلسطينية بأنها «دولة ليست عضواً» في الأمم المتحدة، لكن الوضع الاقتصادي الذي تعاني منه السلطة الآن صعب جداً وحرج حيث لم تنجح في الشهر الماضي بدفع الرواتب ولا يبدو أنها ستنجح في الشهر القادم وذلك لأنها لا تسيطر على مصادرها، وكل شيء تقريباً متعلق ب»إسرائيل» المسيطرة فعلياً على هذه الموارد والمصادر، ناهيك عن انطلاق عدد واسع من المظاهرات المطلبية داخل الضفة الغربية وذلك في مواجهة فساد السلطة والواقع التنموي الفاشل.

 

المشهد العربي:

يتلبد المشهد العربي بالغيوم فيما يخص الموقف من القضية الفلسطينية أكثر فأكثر، فدول الطوق كمصر والأردن اللتين أقامتا علاقات دبلوماسية معها بعد اتفاقيتي « كامب ديفيد ووادي عربة »، أعادتا سفيريهما وفتح سفارتيهما في يوم واحد بعد تجميدها لمدة عامين، تأتي هذه الإجراءات في تحد سافر لحكومات البلدين لطموحات الشعوب العربية بعد الثورات المجلجلة، فالمصريون ومن خلفهم العرب جميعاً لم يتصوروا مطلقاً أن يخاطب الرئيس مرسي رئيس الكيان  بالقول «عزيزي وصديقي العظيم» ويختمها بتوقيعه تحت كلمتي «صديقكم الوفي الرئيس مرسي»، وهو مايعني التشكيك بفكرة سقوط النظام الذي ناضل لأجل إسقاطه الشعب المصري. كما جاء موقف حركة النهضة في تونس مخزياً حيث رفض قياداتها وضع بند تجريم التطبيع ضمن الدستور الجديد وتحدثوا عن إمكانية إصدار «قانون لتجريم التطبيع» ولاداعي لأن ينص الدستور الجديد على هكذا بند مبررين ذلك بأن موقفهم مبني على نصيحة اسماعيل هنية والذي نفى بدوره لاحقاً هكذا نصيحة!

-جاء زلزال « أيوب » الذي أرَّق الكيان الصهيوني كمشهد مناقض لسياسات التخاذل، وذلك عندما تمكن حزب الله من اختراق الأجواء «الإسرائيلية» ولمدة 25 خمس وعشرين دقيقة بطائرته الاستطلاعية « أيوب »التي حامت فوق صحراء النقب بمناطق ذات طبيعة استراتيجية دفاعية تتضمن مفاعل ديمونة النووي، ولم تتمكن «إسرائيل» من انزالها سالمة بل اضطرت لإسقاطها وتدميرها، وهي في طور تحضيرها لتوجيه ضربة استباقية للمنشآت النووية الإيرانية ويبدو أن ضرب مصانع اليرموك السودانية جاء بمثابة الـ« بروفة » للتنفيذ.

 

المصالحة المزعومة:

كثر الحديث عن مصالحة مرتقبة بين الطرفين، لكن مشروع المصالحة الذي تم الحديث عنه سابقاً كان أشبه بالمستحيل، فقد كان بمثابة مشروع تلصيق بين نقيضين هما مشروع المقاومة من جهة ومشروع التسوية الخياني من جهة أخرى، وهذا ما أفشل المصالحة سابقاً ولمرات متكررة . لكن على مايبدو أن زيارة أمير قطر «حمد بن خليفة»  تأتي في إطار بعث هذا المشروع ، فحركة حماس على مستوى جزء هام من قيادتها تتناغم حالياً مع المشروع القطري الذي يسعى عملياً لاستيعاب حركة حماس ونبذ فكرها المقاوم، فالزيارة التي لم ينبس صاحبها بأي كلمة عن الاحتلال أو المقاومة أو حتى الاستيطان، أعلنت عن مساعدات إنسانية وعن إعادة الإعمار بينما كان القطاع وعلى بعد أمتار وبعد عدة ساعات  يقصف بنيران الاحتلال وقبلها أيضاً. خرج أمير قطر مسرعاً ومثقلاً بدوي القذائف الذي اعتاده الغزيون ومبتعداً عن أرض القطاع ، الذي لايمكن أن يكون إلا مقاوماً في ظل الاحتلال بينما جاء هو بالمشروع القطري-الأميركي ليكون مشروع تسوية واستيعاب لحماس ليمهد لمصالحة ممسوخة تتناغم مع شروط أوسلو أو شروطاً شبيهة بتلك الاتفاقية المهينة.             

■■

آخر تعديل على السبت, 22 تشرين1/أكتوير 2016 23:33