مراد جادلله مراد جادلله

وسام الحسن.. ونوعية الصراع الجديد في لبنان

 الاغتيالات في لبنان ظاهرة مألوفة هي كالانقلابات  العسكرية في أفريقيا أو استقالة الحكومة في إيطاليا أو حجب الثقة عن وزير في الكويت، أي إنها جزء من الثقافة السياسية السائدة.

عندما يغتال وسام الحسن  يتم الحديث بكل بساطة عن جانبين ظاهريين من القضية ، الأول هو الترهل الأمني الذي يعيشه لبنان نتيجة الوضع المضطرب في سورية (وكأن لبنان كان أكثر استقراراً قبل الأزمة السورية)  والثاني هو الإتهام السياسي المباشر لأحد قطبي السياسة في لبنان أي فريق 14 و8 آذار حيث باتت أية قضية مهما كان حجمها تُختزل بهذا السجال السطحي من قبل كثر من ساسة لبنان.

إن ماهو غائب عن البحث حقيقة هو طبيعة  الصراع في لبنان والذي يتم اختزاله بنقطة علام هي ساعة اغتيال الحريري وتبلور طرفين أساسيين هما 14 و8آذار ، لذلك تحتاج قراءة الأحداث في لبنان رؤيتها ضمن الصراع الإقليمي والدولي وهو ماسعت كثير من القوى للتشويش عليه، فلبنان كغيره من دول الطوق ودول العالم الثالث لايمكن أن يملك موضوعياً إلا مشروعين الأول هو «مشروع المقاومة» والثاني بكل بساطة هو مشروع «ضد المقاومة».

لا أحد قرأ القوى السياسية في لبنان والتطورات التي طرأت على بنيتها وفقاً لهذه المشاريع، لا يتذكر أحد مثلاً ماهي طبيعة القوى ومواقفها إبان حقبة التسعينيات وخاصة بعد اتفاق الطائف، آنذاك شهد لبنان نشاطاً عالياً للمقاومة تُوّج بتحرير عام 2000  دون أن يَلحظ كثر ماذا حل بباقي القوى. لا أحد يتذكر من هذه الحقبة إلا السطوة السورية على لبنان أو كما يراها البعض الآخر أنها مرحلة استقرار سياسي نتيجة عقد الطائف المرعي جيداً من القوى الإقليمية والدولية. إن المنطق يفضي إلى القول إن لحظات الاستقرار تلك شهدت لحظة توار لمشروع «ضد المقاومة» إلا أن لحظة التواري تلك  لم تعنِ مطلقاً موت هذا المشروع.

ظهرت إرهاصات جديدة لهذا المشروع عشية اغتيال الحريري الأب، ففي ذلك الحين نسج الحريري الأب تحالفاً مشبوهاً مع عبد الحليم خدام الذي لايمثل النفوذ السوري بلبنان بمقدار ما مثل النفوذ الأميركي- السعودي في المنطقة ، هكذا كان الحريري الأب أيضاً ممثلاً للمشروع الفرنسي- السعودي.

عندما اغتيل الحريري الأب سعت قوى مشروع « ضد المقاومة» إلى ضرب الوجود السوري مستهدفين إضعاف سند المقاومة الأول، حينها تم توظيف لحظة اغتيال الحريري لإعادة خلق اصطفافات جديدة محورها «الموقف من الوجود السوري في لبنان» في تبطين زائف لفكرة الانقسام الحقيقي مع/ضد المقاومة، ظهر رفيق الحريري آنذاك كأب للمقاومة ووليد جنبلاط كوريثها الشرعي!

مانسيه كثر أن وسام الحسن كان من المفترض -وكونه المسؤول الشخصي عن أمن الحريري الأب- غاب عن مرافقته في موكبه الذي اغتيل فيه. لاحقاً شكل هذا الغياب تهمة للحسن مفادها « التواطؤ مع حزب الله باغتيال الحريري»، ومن ثم بُرّئ الحسن بداعي أنه تغيّب عن مرافقة الحريري لحضوره امتحاناً جامعياً خاصاً به!  

إن غياب الحسن آنذاك والتحاقه لاحقاً بفرع المعلومات -الفرع الأمني الأهم في لبنان- لايبدو إلا جزءاً من المشروع الذي بدأه الحريري الأب والتي كانت لحظة اغتياله مترافقة بغياب الحسن المريب، كان ذلك لأجل إتمام بقية المشروع على مايبدو، فاغتيال الحريري استدعى مرة أخرى بلورة «مشروع للخيانة الوطنية» في لبنان بجسم سياسي ضخم له حاضن جماهيري ما.

استحقت آنذاك فكرة «ضرب مشروع المقاومة» التضحية برفيق الحريري على أن يكمل المشروع رجل مثل الحسن ورفاقه في 14 آذار، لكن ماهو الدور الذي لعبه الحسن في جهاز الاستخبارات اللبناني في بلد لايقدر جيشه الوطني لعب دور هام في حياته السياسية؟!.

دعونا نعد إلى 7 أيار ذلك اليوم التي سعت فيه قوى 14 آذار إلى تخليص المقاومة من أحد أهم أجهزتها وهو جهاز الاتصالات السلكية، حينها قامت حكومة السنيورة بإقالة العميد وفيق شقير قائد جهاز أمن مطار بيروت الدولي، قد تبدو الحادثة صراعاً كلاسيكياً بين الفريقين لكن السمة الأبرز لهذه الحادثة هي انتقال الصراع إلى أجهزة الدولة الحساسة والتي لم تعد أماكن ثانوية للصراع بل على العكس، فمع وصول المد الجماهيري إلى نقطة التعادل بسبب الاستقطابات الطائفية وصعوبة العودة إلى صراع أهلي مسلح ، تسعى كل القوى على مايبدو إلى مسك المفاصل الحساسة في جهاز الدولة.

هكذا نفهم معزوفة 14 آذار الباحثة عن إرساء شرعية ما للدولة، وحقيقة الأمر أنها محاولة لوضع الطرف الآخر أمام صراع مع جهاز الدولة التي تسعى جماعة الحريري إلى السيطرة عليه بصمت بعد أن فشلت خيارات الشارع أو جلب الخارج في تحقيق طموحها.

إن اغتيال وسام ليس بالضرورة هو تصفية لمشروع وسام/الحريري بل قد يكون استدعاءً لتوسيع هذا المشروع بأشكال أخرى( على الأقل سيتم استثماره إن لم يكن المنتج الجديد ل 14أذار وأسيادها) ، لذلك نرجو عدم استنتاج أي اتهام سياسي خاطئ من خلال السياق السابق لكن على الأرجح أن هذا الاغتيال سيدفع قوى 14 اذار إلى تصعيد ما وإن كان ناعماً فعملية إسقاط مشروع المقاومة هي عملية أعقد من ذلك أي سيتحول وسام كما تحول الحريري إلى رمز يناضل على أيقونته المشروع الأمريكي-الفرنسي الجديد.