المخلب القطري في الغرب الأفريقي..
بالتوازي مع التحضيرات الأخيرة للاجتياح العسكري لمالي، يتم انعقاد مؤتمر الأخوان المسملين في موريتانيا، لا علاقة مباشرة واضحة بين الحدثين بكل تأكيد، وبعيداً عن أية فكرة مؤامراتية لا تملك أي أساس واقعي، نحاول لفت الانتباه لما يحدث في شمال غرب القارة الأفريقية.
إن المؤشرات الواردة حتى اللحظة من هناك تدلل بدرجة ما بوجود مطبخ كبير ساعٍ لترتيب أوضاع القارة السمراء.
الرأس الفرنسي
يقول البعض إن التغيرات في كل من المغرب وتونس وليبيا ومصر التي أفضت إلى حكومات ذات علاقات طيبة مع الغرب بعد إيهام شرائح واسعة من الجماهير بتغير ما، يقولون إن هذه الحكومات الجديدة هي المدخل لإعادة ترتيب المنطقة.
يستنتج هؤلاء أن مابقي لترتيب المنطقة الأفريقية هو إحكام السيطرة على باقي دول شمال إفريقيا كالجزائر و موريتانيا. وحقيقةً إن مايجري اليوم لا يستند إلى ايجاد بدائل جديدة للحكومات العميلة السابقة وحسب، بل إن مايجري أيضاً جزءٌ من استراتيجية امبريالية برأس فرنسي تطل لأجل إعادة ترتيب المنطقة على النمط الأمريكي.
من منا نسي «مشروع الفوضى الخلاقة» الذي مثّل عقيدة الأمريكيين المقاتلة لأجل السيطرة على نفط العراق والمنطقة؟!. مايجري في شمال إفريقيا مشابه لذلك، حيث باتت مقدمات التدخل الإمبريالي الفرنسي عسكرياً في مالي تنذر بذلك، لكن الفرنسيين وعوا الدرس الأمريكي ربما، فالنزول بالعسكر على الأراضي الأفريقية مُكلفٌ جداً لفرنسا التي تعاني أزمة اقتصادية عارمة.
ترتب فرنسا الوضع الإفريقي على مهل، فعن طريق قطر، الدولة التي باتت تشكل دور» المخلب الجارح»، تحاول إدماء المنطقة بتوتر ما، ومن ثم تجذب الدماء شهية «المجاهدين»، المدعومين بالأموال و المعلومات من بيانات المخابرات الغربية والسلاح الأمريكي، ومن ثم تترك الجثة/الدولة للرعاة الجدد من فرنسيين وأمريكيين أو بريطانيين، القادمين على شكل شركات إعمار وإغاثة وإعلام «حر» .
المخلب القطري
دعونا نقف أولاً عند الدور القطري، الذي أصبح واضح الأدوات والاتجاهات، فهو يقوم أولاً على التمويل اللامحدود، والهادف إلى دعم اتجاهات محددة ضمن المعارضة في البلد المنشود، ومن ثم تغذيتها إعلامياً عبر ماكينات الإعلام العربية والغربية، وصولاً إلى بلورة قوى سياسية محددة تكون متوافقة مع الغرب.
وبالتمحيص أكثر بالوضع الموريتاني سنجد أن العلاقات القطرية الموريتانية ، أخذت بالتوتر منذ زيارة الأمير القطري حمد بن خليفة آل ثاني لموريتانيا في العام الماضي، حيث قالت بعض الصحف حينها: إن الرئيس الموريتاني لم يقم بتوديع الأمير القطري لأنه انزعج من نصائح الأخير حول ضرورة التغيرات الديمقراطية والإصلاحات الاقتصادية والتقارب مع المعارضة الإسلامية في موريتانيا.
وُصفت هذه الخطوة من الرئيس الموريتاني حينها، بأنها طرد مهين للجانب القطري. جاءت بعدها طبعا ً العديد من المناسبات التي تؤشر على أن علاقات البلدين آخذة بالتأزم، فالتغطية الإعلامية لقناة الجزيرة القطرية لحادثة إصابة الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في 13 تشرين أول الماضي، أصرت على تبني رواية إغتياله، بينما نفى الرئيس ذلك وقال إنها إصابة بطلق ناري بالخطأ.
تابعت تقارير الجزيرة تبنيها لروايات المعارضة، وذلك بالحديث عن الفراغ السياسي الذي سببه غياب الرئيس بعد تعرضه لإصابة، وصلت إلى حد الحديث عن وفاته.
في الأسبوع الماضي وتحديداً في 12/12/2012 ، تظاهر مئات من الموريتانيّين أمام السفارة القطرية في نواكشوط، مطالبين بتسليم الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع، بقصد محاكمته على جرائم إنسانية.
السفارة القطرية التي لم تصلها تعزيزات عسكرية، وهو ما فُسّر بأنه امتعاض رسمي لما تقوم به الإمارة الخليجية من تدخل سافر في سياسة موريتانيا وغيرها من البلدان العربية. وهتف المتظاهرون ضد الأسرة الحاكمة في قطر ودورها في تأليب الغرب ضد الدول العربية الرافضة «للربيع العربي».
كان أغلب المتظاهرين من الأرامل ونشطاء حقوق الإنسان، ومعظمهم من الأقلية «الزنجية»، التي أعدم الرئيس الموريتاني الأسبق مئات من أبنائها في عام 1989.
قلة من يعرفون أن ولد الطايع الذي انقلب عليه الرئيس الحالي، هو من أقام علاقات دبلوماسية مع «إسرائيل» بعد أيام من زيارة حمد بن خليفة لموريتانيا، وأصبحت قطر هي الوصي على هذه العلاقات، وسارعت إلى استضافة مهندس التطبيع مع «إسرائيل» بعد الإطاحة به، وهو يقيم في الدوحة منذ سبع سنوات.
منصة الإخوان حاضرة
يعود القطريون اليوم إلى الساحة الموريتانية عبر أداتهم الجديدة وهم الإخوان المسلمون، حيث تعقد حركة الإخوان الموريتانية مؤتمرها في قلب العاصمة نواكشوط، وهو ماتم عبر تغطية إعلامية اُستهجنت من كل المراقبين، حيث قامت الجزيرة بتغطية خاصة لوقائع المؤتمر بعد أن أوفدت بعثة إعلامية خاصة بتغطية المؤتمر، وهو ما لايحظى به عشرات الأحزاب في أصقاع العالم العربي التي تفوق أهميتها حركة الإخوان الموريتانية !
رسالة المؤتمر كانت واضحة على لسان راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية، حيث رأى الغنوشي أن على الحكام العرب «الاستعجال بالديمقراطية قبل الثورات»، لكن ما كان لافتاً هو حضور موسى أبو مرزوق الرجل الثاني في حركة حماس، إضافة إلى قيادات حركة الإخوان السورية !.
إن الترتيب الفرنسي-القطري في الشمال الإفريقي على مايبدو، ليس إلا ثورة مضادة في بداياته، ولكن الثورات المضادة لا تستطيع الصمود في وجه قوى الثورى الحقيقية المستندة إلى أوجاع الناس وتطلعاتها في تغييرات جذرية عميقة، لذلك قد تسعى القوى الاستعمارية إلى إعادة اجترار مشروع الفوضى الخلاقة التي تمثل النموذج البربري القادر على الصمود في وجه إرادة الشعوب المناضلة لأجل التغييرات العميقة المطلوبة في كل البلدان الخاضعة للهيمنة الغربية. وهو مايعني أن المخطط الإمبريالي الجديد سيستند في مقوماته إلى إغراق كل الشمال الافريقي في دوامات الصراع الإثني الطويلة ، والتي تمثل حرب مالي فتيلها الأول مثلما تمثل تحضيرات الإخوان في موريتانيا قاعدة إنطلاق للثورة المضادة كمدخل للفوضى.