فاز أوباما.. خسرت أمريكا!
خسر رومني وفاز أوباما في الانتخابات التي شهدت صراعاً شديداً في الداخل الأمريكي والتي حملت عنوانين واضحين:
أولا- استمرار الأزمة الاقتصادية في الداخل الأمريكي:
جاء أوباما في عام 2008 على وقع الأزمة الرأسمالية العالمية وهذا يعني أنه جاء ليلغي على الأقل سبباً أو عدداً من الأسباب التي ولّدت الأزمة، لكن أوباما وكغيره من ممثلي الشركات لم يستطع التعامل إلا مع بعض النتائج التي تشكل تجلياً ما للأزمة، فالتعامل مع الأسباب يعني البحث عن حلول جذرية، والحلول الجذرية هنا تعني إعادة النظر بالمنظومة المصرفية العالمية وعلى رأسها الفيدرالي الأمريكي ودولاره، إضافة إلى معالجة مستويات النهب على المستوى الداخلي والعالمي.
ما اُعتبر إنجازاً حتى اللحظة هو تراجع معدلات البطالة إلى 7.9% بعد أن بلغت مستويات قياسية في عام 2010 حيث بلغت آنذاك 9.6%، كما أن معدلات النمو تحركت قليلاً خلال فترة الولاية الأولى من -3.6% في عام 2009إلى 2% في عام 2012 . شكّلت هذه المتغيرات الاقتصادية إنجازات أوباما المجيدة والتي ترافقت مع الركود العالمي الذي ضرب أوروبا ومعظم دول العالم، وهو مايعني أن هذه الإنجازات لا تستند إلى تعاف حقيقي في قطاعات الإنتاج سواءً في الداخل الأميركي أو أوروبا بمقدار ماتستند إلى عمليات الحفز الاقتصادي والتي اعتمدها أوباما من خلال زيادة الانفاق الحكومي الذي أوصل الدين العام إلى مستويات قياسية إضافة إلى استخدامه لسياسات «التيسير الكمي» التي تعني مزيداً من ضخ السيولة الدولارية وهي التي كانت المسبب الرئيسي للأزمة.
مثلت زيادة الإنفاق على الصحة والتعليم إضافة لفرض ضرائب على دخول كبرى الشركات وبعض المصارف، دعاية أوباما الواهية والتي قبلها الشعب الأمريكي من موقع الهروب من سياسات رومني التي لايمكن تطبيقها إلا في فترات الازدهار والتي تعني مزيداً من إطلاق يد الأغنياء والمصارف في الاقتصاد.
تحدث أناتول كالتسكي وهو صحفي وخبير اقتصادي يكتب منذ عام 1976 لمجلة إيكونوميست وصحيفة فاينانشال تايمز وصحيفة تايمز اوف لندن قبل الانضمام إلى رويترز بمقالته الأخيرة في رويترز: بأن سياسات أوباما ستضر بالنمو العالمي وبالاقتصاد الأوروبي الذي يتطلب ضرورة استعادة النمو من القطب الأساسي المحرك للاقتصاد العالمي. بالإمكان الاستنتاج إذاً -بغض النظر عن مصالح كلا الطرفين الذاتية- أن الكساد العالمي هو أمر حتمي مما يعني عدم قدرة أوباما على التعامل مع الأزمة على أنها أزمة عالمية وهي تحوي كل تلك التناقضات وهو ما يتطلب حلولاً جذرية طبعاً لا يملكها برنامج رومني الذي يمثل أصلاً سيناريو ماقبل الأزمة.
ثانيا- تراجع سطوة الولايات المتحدة الأمريكية على العالم:
في عام 2008 استقبل العديد من الليبراليين العرب و عملاء الغرب فوز أوباما بالاستبشار، لم يجرؤ أحدٌ منهم هذه المرة على تكرار تلك التبريكات . لم يحدث ذلك طبعاً لأن أوباما حنث بوعده بشأن إقامة «دولة « فلسطينية ، لكن ما اقتنع به هؤلاء على مايبدو هو أفول الدور الأمريكي بلا رجعة.
طبعا ً مازال البعض يهذي بفكرة تعقل الديمقراطين أمام جموح الجمهوريين ، لكن المراقب البسيط لبرامج كلا المرشحين يستطيع إدراك قضية أساسية أن سياسة « القوة الناعمة» التي عنت التراجع دون الانتهاء ليست خياراً ديمقراطياً فحسب، بل هي الخيار الوحيد لعدم التورط في سيناريو انهيار دراماتيكي لأمريكا ، لذلك لم يجرؤ كلا الطرفين على إعطاء تصريحات غير واقعية سواء بالملف السوري أو بالملف الإيراني أو حتى في أطروحة الحرب على الإرهاب رغم حديث كلا الطرفين الواهي عن القتال لأجل مصالح الأمة.
هكذا سيكون النصر الديمقراطي ليس إلا محطةً لبداية الهبوط القادم للنظام الأمريكي كله بجمهورييه وديمقراطييه .