الناتج القومي الإجمالي.. كيف يحسب؟ وماذا يقيس؟
رغم زعم دائرة المصالح التجارية في الولايات المتحدة الأمريكية بأن الناتج المحلي الإجمالي يقيس القيمة النهائية للمنتجات البضاعية والخدمية خلال فترة زمنية محددة. إلا أنها في الواقع لا تقيس سوى دخل الطبقة التجارية المعترف بها سياسياً، إذ أن الناتج المحلي الإجمالي يَستخدم كمؤشر على حسن سير أعمال الطبقة التجارية، وعليه لا يمكن اعتباره مؤشراً على الأداء الاقتصادي للبلاد.
هل سبق لك أن دققت النظر في الكيفية التي يحسب بها الناتج المحلي الإجمالي؟ هل سبق لك أن فكرت ماذا يقيس هذا المؤشر بدقة؟ هل تساءلت يومأ لماذا يركز هذا المؤشر على هذه المعطيات دون غيرها؟
إن المعادلة الرئيسية التي يحسب عبرها الناتج المحلي الإجمالي تتضمن جميع الأموال التي تنفقها المجموعات الاقتصادية المختلفة لإنتاج بضائع وخدمات معينة في منطقة معينة وخلال فترة زمنية محددة (عادة سنة) والمعادلة هي:
GDP = C + I + G + (X – M)
C: هو نفقات الاستهلاك الفردي والقطاع المنزلي.
I: نفقات الاستثمار الخاص المحلي الإجمالي.
G: نفقات إجمالي الاستثمار والاستهلاك الحكومي.
X: النفقات على تصدير البضائع والخدمات.
M: النفقات على استيراد البضائع والخدمات.
(وتحذف عادة X وM من حصيلة الناتج المحلي الإجمالي)
وقد أشار العديد من الأشخاص إلى عيوب في هذه المعادلة ومنها:
أنها تقيس المبيعات وليس الإنتاج! كما أنها تهمل الأموال المنفقة في الاقتصاد الأسود، وكذلك لا تناقش الأموال التي تنفق في كازينوهات القمار والأموال المنفقة على السيارات. فتلك الأموال عملياً لا تدخل في عمليات شراء المنتجات ولا الخدمات، كما أنها لا تميز بين نوعية منتج ونوعية أخرى منه.
لكن هل تعتبر هذه الأمور عيوباً بحق؟ إن الجواب يتوقف على الغرض من هذه المؤشرات، آخذين بعين الاعتبار الأمثلة التالية الثلاثة:
1-حظر بيع المشروبات الكحولية في الولايات المتحدة بين عامي 1919 -1933 ورغم ذلك فقد استمر بيعها، إلا أن الأموال التي أنفقت عليها لم تكن تحسب في الناتج القومي الإجمالي، والناتج القومي الإجمالي بشكله الحالي حسب لأول مرة عام 1934، ورغم إدخال التعديل رقم 18 عام 1933 الذي يقول بوجوب إدخال الأموال المنفقة على تجارة المشروبات الكحولية في الناتج القومي الإجمالي، إلا أنها لا تحسب ضمن الناتج المحلي الإجمالي حتى اليوم.
2-ولعقود عدة كان الكوكائين يباع بشكل قانوني في الولايات المتحدة الأمريكية. ومنذ العام 1914 حظر بيعها. ولحد العام 1914 كانت مبيعاتها تحسب في الناتج القومي الإجمالي، ومنذ ذلك الحين حتى اليوم لم تعد تحسب ضمنه.
3- بعض الأموال التي تصرف على المقامرة تحسب في الناتج المحلي الإجمالي، وبعضها لا يحسب. لطالما وجدت المقامرة في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد ظهرت العديد من المحاولات لمنعها في الولايات المتحدة الأمريكية منذ القرن التاسع عشر. وفي الأماكن التي منعت فيها استمرت عبر العديد من الأعمال الإجرامية، وبصورة رئيسية في كوسا نوسترا، وفي نهاية المطاف، غسلت الأموال التي جمعتها المافيا حيث استخدمت في بناء كازينوهات لاس فيغاس حيث المقامرة كانت ومازالت قانونية. فالأموال التي جمعت بصورة غير شرعية استخدمت لبناء مدينة للخطيئة، وهكذا فإن الأموال التي تنفق على المقامرة المشروعة تدخل في حساب الناتج القومي الإجمالي أما المقامرة غير المشروعة فلا تدخل نفقاتها في الحسبة!
ورغم زعم دائرة المصالح التجارية في الولايات المتحدة الأمريكية بأن الناتج المحلي الإجمالي يقيس القيمة النهائية للمنتجات البضاعية والخدمية في الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة زمنية محددة، إلا أنها بالتأكيد لا تؤدي هذا الغرض! إن ما يقاس فعلياً هو الأموال المنفقة من المستهلكين في جزء من الاقتصاد. كما رأينا في الأمثلة الثلاثة السابقة، فإن المعادلة لا تهمل فحسب قطاعات وتحسب قطاعات أخرى، بل إن البضائع والخدمات نفسها تحسب مرة وتغفل مرة أخرى! فالمعيار الوحيد لذلك هو من الذي يحصل على المال! إذا كان البائع موافقاً عليه سياسياً، عندها تدخل أمواله في الحساب، وإن لم يكن كذلك، تغفل هذه الأموال. لذا نجد في واقع الأمر أن الناتج المحلي الإجمالي يقيس كمية المال التي تنتقل من المستهلكين إلى العملاء المرتبطين سياسياً. بالتالي فإن الناتج القومي الإجمالي يقيس بشكل رئيسي دخل الطبقة التجارية الموافق عليها سياسياً. عندما ترتفع قيمته، تزداد هذه الطبقة غنى، وعندما تنخفض، يحدث العكس! الناتج القومي الإجمالي يستخدم كمؤشر على أداء الطبقة التجارية، ولا يقيس أداء البلاد تجارياً، فهو لا يأخذ بالحسبان الفقر، الجريمة، الجوع، التشرد، ومجموعة كبيرة من المشاكل التي يعاني منها الشعب.
فلماذا إذاً لا تهتم الحكومة سوى بثروة الطبقة التجارية؟ ولماذا لا تكترث لثروة الشعب ولسير أمورها الاقتصادية بشكل جيد؟ بالطبع، إنه النظام الاقتصادي، الغبي! الرأسمالية وجدت لرفاه الرأسماليين فقط، ولا أحد سواهم!