رياح الخطر تهب على الجنوب من الشمال الغني
غوستافو كابديفيلا
تشهد الولايات المتحدة أضعف معدل انتعاش اقتصادي منذ الحرب العالمية الثانية، مع ارتفاع معدل البطالة وتقلص الاستثمارات بسبب مديونيتها العالية، فيما يعاني اقتصاد الدول الأوربية الأعضاء في «منطقة اليورو» من عدم الاستقرار والتذبذب، ما يعرض الاقتصاديات النامية والناشئة لرياح المخاطر المالية التي تهب عليها من الدول الأكثر تقدماً.
هذا هو مشهد الاقتصاد العالمي الحالي الذي عرضه يلماز اكيوز، كبير الخبراء الاقتصاديين بمركز الجنوب، وهو المنظمة الحكومية الدولية للدول النامية ومقره حنيف، أثناء مؤتمر مخصص لمراجعة الاضطرابات المالية العالمية والخيارات المتاحة للبلدان النامية.
وشرح اكيوز أن الاقتصاديات النامية والناشئة تجذب كميات كبيرة من رؤوس الأموال المخصصة للمضاربات، نظراً لارتفاع أسعار الفائدة وتحسن آفاق نموها.
كما تسجل عملات غالبية الدول النامية والناشئة ارتفاعا في القيمة، بمعدلات أعلى في بلدان عجز الحساب الجاري مثل البرازيل والهند وجنوب أفريقيا وتركيا، منها في الدول ذات الفائض مثل الصين وكوريا الجنوبية ودول جنوب شرق آسيا. وفي نفس الوقت، يواجه كثير من هذه البلدان أيضاً سلسلة من الفقاعات والمضاربات في مجالات القروض والأصول، فضلاً عن ارتفاع درجة حرارة اقتصادياتها مع خطر هبوطها بصورة حادة.
وقال اكيوز إن أكثر الاقتصاديات النامية والناشئة ضعفاً هي تلك التي تحظي بفوائد التوسع العالمي في مجال السيولة وتدافع أسعار السلع وتدفقات رأس المال، فيما تأتي البرازيل وروسيا وجنوب أفريقيا ضمن الدول الأكثر عرضة لخطر تكرار التجارب التي مرت بها المكسيك في السبعينات والثمانينات.
وتشير توقعات مركز الجنوب، الذي أنشأ في 1995 ويتخصص في دراسة قضايا الدول الفقيرة، إلى أن معدل النمو سوف يكون معتدلاً بوتيرة منتظمة في آسيا، وهي المنطقة التي لا تبدو الآن عرضة لمخاطر وقوع أزمات عملة وميزان مدفوعات.
وفي المقابل، ستتعامل اقتصاديات أفريقيا وأمريكا اللاتينية مع النمو بوتيرة أقل انتظاماً بسبب تعرضها لتشديد الشروط المالية العالمية والتدهور المحتمل في أسواق السلع الأساسية، وفقاً للخبير المذكور.
وتوقع أن تواجه اقتصاديات بعض كبرى الدول النامية والناشئة- التي أصبحت تعتمد بشكل متزايد على تدفقات رأس المال- أزمة في ميزان المدفوعات.
ونظراً لهذا المشهد، شدد الخبير الاقتصادي والصحافي تشكرافارتي راغافان، على حتمية «التعاون بين بلدان الجنوب»، وأن تضع هذه البلدان مسألة التعاون السياسي على رأس أولوياتها.
وذكّر راغافان المؤسسة بأن الاقتصاد العالمي لا يزال معرضاً لمخاطر وتحديات عديدة على طريق الانتعاش، وذلك نتيجة للكساد الهائل الناتج عن الأزمة المالية التي اندلعت في 2008 في الولايات المتحدة وانتقلت إلى الاتحاد الأوربي.
وأضاف أنه يجب التذكير أيضاً بأن هذه الأزمة هي نتيجة «السلوك المتهور، بل والجنائي في بعض الأحيان، من الشركات المالية، وسحب آليات الإشراف والرقابة لأسباب إيديولوجية».
كذلك فإن الطريق نحو مستقبل أفضل محفوف بالمخاطر والعقبات، ولا توجد حلول موحدة أو بسيطة تسري على الجميع. ورأى أن الانتعاش وخروج الاقتصاد العالمي من المتاهة الحالية يتطلب مجموعة متنوعة من التدابير، تختلف فيما بين البلدان وعلى الصعيد الدولي أيضاً.
وقال إن أفضل حل سيأتي من خلال التعاون الدولي الكامل والشامل، بغية عرقلة الحرية غير المحدودة لرؤوس الأموال، وضمان أن النظام يخدم مصالح الاقتصاد الحقيقي في جميع البلدان. وهذا قد يتطلب فرض ضوابط على رأس المال حتى في دول مثل الولايات المتحدة، وخصوصاً على تحركات الاستثمارات قصيرة الأجل وغيرها من العمليات التجارية الأخرى.
(آي بي إس)