الأردن..كش ملك
يعود الأردن إلى شاشة الحراكات العربية هذه المرة بموجة أعلى من السابقة، تلك التي شهدت احتجاجات جوبهت بداية بتوزيع قوات الأمن للبسكويت و زجاجات الماء، وذلك في محاولة كريكاتورية لإعطاء نموذج قمعي متحضر عن نظام الملك.
إن أكثر مايُفائل حتى اللحظة هو طبيعة الاحتجاجات التي أخذت طابعاً مطلبياً ذا أبعاد طبقية واضحة، حيث دعت النقابات والجهات العمالية إلى إضرابات شاملة كنقابات المعلمين والمهندسين والمهندسين الزراعيين.
تفاقمت الإحتجاجات بعد قرار الحكومة الأخير رفع أسعار الطاقة، حيث بررت الحكومة إجراءاتها تلك بارتفاع عجز الموازنة نتيجة النفقات العالية التي تتكبدها الحكومة في استيراد مواد الطاقة، وتحدثت الحكومة عن تراجع في الإحتياطي النقدي من 17 مليار دولار في العام الفائت إلى 7 مليارات في العام الحالي.
مالم تقله الحكومة هو أنها امتثلت لقرارات صندوق النقد الدولي في فرض تخفيض عجز الموازنة عبر خفض الإنفاق الحكومي، حيث يشترط صندوق النقد تخفيض العجز للحصول على الدفعة الثانية من البالغ حوالي ملياري دولار والمقسم على أربع دفعات.
تواجه الحكومة احتمال الإفلاس وعدم القدرة على سداد الرواتب في مشهد يعيد للأذهان صور الأرجنتين في تسعينيات القرن الماضي، وفي ظل إنخفاض المساعدات الدولية للأردن ستكون أي حكومة في مواجهة دامية مع الشارع مالم تغير ذات النهج.
إن الوضع الحالي يفتح المجال سريعاً أمام مرحلة تغيرات كبرى في النظام الأردني، والذي على مايبدو فشلت مساعي دول الخليج في إنقاذه بشكل مباشر وذلك عندما طلبت منه الإنضمام إلى مجلس التعاون الخليجي بغية حمايته من مخاطر أي ثورة كما فعلت مع البحرين، إلا أن قوى الثورة المضادة جاهزة على مايبدو للانقضاض على حراك الشارع ولعب دور المنقذ الداخلي، يتوضح ذلك من خلال تصريحات القيادي في الإخوان المسلمين زكي بني أرشيد، حين أعلن أن السلطة المنتخبة ديموقراطياً هي التي تستطيع تحرير الأسعار من دون احتجاجات شعبية، وقد ضرب مثالَي مصر والمغرب!
يرى البعض أن الأردن مرشح لحالة فوضى تقودها قوى مسلحة في مواجهة الحكومة، وهذا ممكن وقد بدأت بوادره بالتبدي، إلا أن حالة الفوضى هذه في الأردن تشكل خطراً جدياً على «إسرائيل» خلافاً للحالة السورية التي تناسب فيها الفوضى الكيان الصهيوني .
لن يحتمل الأردن صراعاً دامياً، فبريطانيا وأمريكا الراعيان للنظام السياسي في الأردن لن يتركا « اسرائيل « تواجه احتمالات عسكرية مفتوحة مع الأردن الذي يشكل الفلسطينيون 60% من سكانه، ناهيك عن الشعارات المعادية لنهج التطبيع والبنى الوطنية التي تعارض معاهدة وادي عربة الإستسلامية والتي تشكل إحدى أسس الحراك ، ولذلك قد تسعى هذه القوى إلى تسهيل انقلاب أبيض يفضي إلى ثورة مضادة تخفف من وطأة الأزمة الاقتصادية بمساعدات عاجلة ومن ثم إلى تعويم القضية الوطنية.