أية فرص بددها «كلتاكجي» أنقرة؟
كلمة «السرج»، هي المرادف العربي لـ«كلتاك» التركية. أما «الكلتاكجي» فهو السرّاج الذي- وللمفارقة- كان لديه مهمتين في زمن تراجع الإمبراطورية العثمانية: صناعة سروج الخيل، وتغطية عروش الملوك العثمانيين بالسروج ذاتها..! ومنذ ذلك الزمن، درج استخدام مفردة «كلتاكجي» في الكتابات التركية، للدلالة على المستبد الداخلي الذي يلعب، في الوقت ذاته، دور الحصان الخارجي.
تطورت العلاقات الروسية- التركية بعد الحرب الباردة بشكل مطرد على الرغم من وجود اختلافات في الرأي والنهج حول بعض القضايا الإقليمية والدولية المهمة. إذ بدأت كل من روسيا وتركيا بتطوير العلاقات الثنائية من خلال التعاون الاقتصادي في تسعينيات القرن الماضي، وبخلق أرضية قوية لمزيد من التقدم في المجال السياسي في أوائل القرن الحالي.
كان لتشكيل مجلس التعاون الاستراتيجي عالي المستوى في عام 2010، انعكاساً تجلى في الرفع المتبادل لتأشيرات الدخول، وصولاً إلى التطور السريع في الاتصالات الثنائية المباشرة.
غير أن هذا التعاون بات موضع تشكيك استراتيجي، بعد إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية «SU-24» في 24/9/2015، وهو الحدث الذي أثار أكبر أزمة في العلاقات الروسية التركية منذ الحرب الباردة، وهو ما يبدو اليوم أنه قد وصل إلى مرحلة القطيعة التامة.
هذا ما خسرته تركيا.. وأكثر
روسيا هي ثاني أكبر شريك تجاري لتركيا بعد ألمانيا، بينما تحتل تركيا المركز السادس في التجارة الخارجية لروسيا. وفي عام 2014، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 31.2 مليار دولار. وتصدر تركيا المواد الغذائية والمنسوجات والمنتجات الكيماوية إلى روسيا (وهو ما يمكن لروسيا أن تجد بديلاً للاستيراد منه)، في حين أن واردات تركيا من روسيا بشكل عام ترتكز على النفط، والغاز الطبيعي، والمنتجات البترولية، والصلب، والحديد (أي مستلزمات البنية التحتية الصناعية التي تحتاجها تركيا بشكل واسع، بالأسعار الروسية المنافسة). واستثمرت روسيا ما مقداره 10 مليار دولار أمريكي في السوق التركية. والمجال الرئيسي للتعاون بين البلدين كان في مجال الطاقة، إذ تتمثل حوالي 65% من واردات الطاقة التركية بالنفط والغاز الروسيين.
وكانت روسيا قد شرعت فعلياً ببناء أول محطة للطاقة النووية في مرسين، لكن، وبعد إسقاط المقاتلة التركية، أعلنت روسيا أنها توقفت عن بناء المحطة، في حين لا يزال الجانب التركي ينفي ذلك بصيغة «إنكار فرويدي».
الابتزاز المؤقت.. خيار المتورطين
دفع تعزيز العلاقات الذي كان سائداً بين تركيا وروسيا قبل نهاية عام 2015 مسألة انضمام تركيا إلى المشاريع التي تقودها روسيا في المنطقة. وكان من الممكن لتركيا أن تعزز من دورها ومكانتها في المشاريع الأوراسية التي من شأنها أن تكسر منطق الهيمنة والفوقية التي يتعاطى فيها الغرب مع الحكومة التركية، لكن تلك الأخيرة، فضلت المضي في خيار التحكم في أوروبا وابتزازها، الذي لن يكتب له البقاء طويلاً بحكم الوزن التركي المنخفض مقارنة بالأوزان الأوروبية.
كما من المتوقع أن تخسر تركيا علاقاتها مع دول القوقاز وآسيا الوسطى، لا سيما وأن التجاذبات الثنائية بين روسيا وتركيا لن تكون نتيجتها لمصلحة تركيا، بحكم الوزن النوعي لروسيا في المحيط الحيوي الأوراسي.