الأزمة في البرازيل: الانقلاب يخطو نحو إزاحة روسيف.. واليسار يفتح النيران

الأزمة في البرازيل: الانقلاب يخطو نحو إزاحة روسيف.. واليسار يفتح النيران

نجحت المعارضة اليمينية البرازيلية يوم الأحد الماضي (17 نيسان) في الحصول على أكثر من أغلبية الثلثين اللازمة في البرلمان لبدء محاسبة الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف في قضية «خرق قوانين الميزانية»، لتتحول الأنظار بعد ذلك إلى مجلس الشيوخ الذي سيحسم القرار في بدايات الشهر القادم. في وقت يتحضر فيه «حزب العمال»، الذي تنتمي له روسيف، للرد القاسي على اليمين على مستويات عدّة

 

يدأب اليمين البرازيلي للحاق بقطار النجاحات التي حققها نظراؤه في بلدان القارة اللاتينية، كفنزويلا (الانتخابات البرلمانية) والأرجنتين (انتخابات الرئاسة) وغيرها، خلال الأشهر القليلة الماضية. ودون ذلك الهدف يعبئ اليمين البرازيلي قواه التاريخية في الأجهزة القضائية والسلطة التشريعية والنخب السياسية الفاسدة والإعلام المأجور لتنظيم الانقلاب على الرئيسة البرازيلية المنتخبة لولاية ثانية في العام 2014، ومستفيداً أيضاً- وإن بدرجة أقل- من ثغرات اليسار الحاكم في البلد الأكبر في أميركا اللاتينية الذي يواجه أزمة اقتصادية كبيرة نتيجة انحدار أسعار السلع عالمياً، بما فيها السلع التصديرية (الأساس الذي تعتمد عليه الخزينة البرازيلية) وهي السلع الزراعية والنفط الذي ستشهد الأسواق العالمية تخمة في المعروض منه على المدى المنظور.

قرار المساءلة

وكمحصلة لجهد دام أكثر من شهرين، تمكن التحالف اليميني الجديد الذي يضم المعارضة اليمينية التقليدية في البرازيل، إضافة إلى قوى منشقّة من التحالف الحاكم، وعلى رأسه ميشال تامر نائب الرئيسة روسيف، وادواردو كونيا رئيس البرلمان، تمكنوا من كسب تصويت 367 نائباً لمصلحة مساءلة روسيف في مقابل اعتراض 137 نائباً وامتناع سبعة آخرين. ليصار إلى رفع القرار إلى مجلس الشيوخ الذي سيبت فيه في أوائل الشهر القادم (أيار). وجاء التصويت في البرلمان مترافقاً مع حملة سياسية إعلامية تصعيدية كبيرة أطلقها اليمين مدعوماً بقضاة ونواب برلمان وإعلاميين ورجال أعمال. ويتمثل مضمون الحملة بما يسمى «فضيحة بتروبراس»، حيث جرى اتهام روسيف وسلفها دي سيلفا ايناسيو لولا بتلقي أموالاً من شركة بناء عقاري، ساعدت على اقتناء الرئيس السابق لولا لمنزل وتمويل حملة الحزب العمالي، بحسب زعم المعارضة اليمينة.

مسرحية هزيلة

في المقابل، شبه المتابعون ما جرى في البرلمان بالمسرحية الهزيلة التي يظهر فيها التسيس لتهم الفساد المزعومة لروسيف وسيلفا بنحو سافر، على شكل شيطنة مبتذلة لهم، وانتقادٍ يفضي إلى مساءلة سياسية لدرجة قول أحد النواب على سبيل المثال: «فلترحل رئيسة تجرّأت على انتقاد إسرائيل». كذلك، أدارت بعض رموز المعارضة المعركة الإعلامية ضد السلطة وحكومتها بنحو استعراضي واستفزازي يرتقي إلى درجة الحرب النفسية، حيث بدأ ميشال تامر بالمشاورات لـ«تشكيل الحكومة الجديدة» بما يوحي بنجاح الانقلاب سلفاً، كما أوقف ادواردو كونيا التشريع حتى انتهاء مساءلة روسيف، وهذان الأمران مخالفان للدستور البرازيلي بنحو صريح.

ونقلت مجريات الجلسات الاستعراضية والمرتبة في البرلمان على الشاشات الكبرى في الأماكن العامة، وسط متابعة واسعة من الجماهير، مثل أي مباراة مهمة لكرة القدم في هذا البلد..

الفساد.. في المقابل

في المقابل، كان رد رموز الحزب العمالي الحاكم حازماً على مختلف  الهجمات الإعلامية والسياسية التي تلقوها، مستخدمين أسلحة خصومهم ذاتها في المعركة، فمثلما يطالب اليمينيون بمساءلة روسيف، يطالب اليسار في المقابل بمساءلة ميشال تامر وادواردو كونيا ذوي السجل المالي والإداري الفاسد والشهير في البرازيل. وحتى في القضية ذاتها الموجهة لروسيف اعترف مدير شركة بتروبراس بتقديمه 20 مليون دولاراً رشوة لتامر. فيما يواجه كونيا أيضاً تهماً كثيرة وكبيرة بالفساد وتبييض الأموال. 

أما من الناحية الجماهيرية، ينظم الحزب العمالي تظاهرات حاشدة لتدريب قواعده على مواجهة الانقلاب في حال نجح باختراق ما تبقى من الأجهزة القضائية والتشريعية وأفلح في إزاحة الرئيسة روسيف.

مجلس الشيوخ.. الجبهة المقبلة

سياسياً، أعلن الرئيس السابق دي سيلفا لولا أن المعركة انتقلت إلى مجلس الشيوخ حيث سيجري البت بقضية المساءلة، مؤكداً لرفاقه أنه لا يرغب حتى في خروج مؤقت للرئيسة من سدّة الحكم، لأن أي خروج لن يعقبه عودة، بحسب تقديرات لولا. وكان مجلس الشيوخ في وقت سابق قد رفض قرار مساءلة الرئيسة، لكون التصويت في البرلمان جرى على نحو سري بما يخالف الدستور البرازيلي، وعد ذلك الرفض في ذاك الوقت انتصاراً للحزب العمالي، ودليلاً على نفوذه الكبير في مجلس الشيوخ.

تامر.. «لن يهنأ»!

يسعى ميشال تامر، الذي يشغل منصب نائب الرئيسة، للاستفادة من مساءلة الأخيرة بالمعنى الدستوري، فإذا وافق مجلس الشيوخ على تلك المساءلة، ستوقف روسيف عن أداء مهامها حتى انتهاء المساءلة، ويحل محلها تامر رئيساً مؤقتاً للبلاد، وإذا أدينت سيبقى تامر رئيساً مؤقتاً حتى انتهاء الفترة الرئاسية في عام 2018. 

في المقابل، اشتغل الرئيس البرازيلي السابق لولا، خلال الأيام الماضية على حشد قواه وشنّ هجوماً مضاداً على اليمين بواسطة القضاء وفي مجلس الشيوخ وفي الشارع بالإضافة إلى الصراع السياسي المفتوح، واعداً تامر أنه لن يهناً يوماً من بعد اندلاع الأزمة، لا في السلطة ولا خارجها، وفاتحاً الباب أمام خيار الانتخابات الرئاسية المبكرة لوضع حد لسلسلة الهجمات التي يمارسها الانقلابيون.