محطة تتحول «قاعدة»:  إعلام الغرب متحمس لـ«العسكرة الصينية»
سعد خطّار سعد خطّار

محطة تتحول «قاعدة»: إعلام الغرب متحمس لـ«العسكرة الصينية»

أعلنت وزارة الخارجية الصينية مؤخراً، أن الصين تجري مشاورات مع جيبوتي لبناء مرافق لوجستية على أراضيها. ما دفع وسائل إعلام أمريكية وغربية أخرى إلى إيلاء اهتمام وثيق في التفاصيل، مروجين إلى أن الصين ستقيم «أول قاعدة عسكرية في الخارج».

ينبغي القول أن الصين تقيم محطة لوجستية في جيبوتي بهدف توفير رحلات سهلة ومباشرة لقواتها البحرية على طول ساحل إفريقيا، وأداء مسؤوليتها الدولية دون الحاجة للسرية، ويمكن للعالم الخارجي أن يرى ذلك بوضوح. لكن المرافق اللوجستية لا يمكن لها أن تكون قواعد عسكرية صينية في الخارج، على الأقل، في البداية، إن هذه محطة لوجستية تختلف كثيراً عن القاعدة العسكرية.

محطة لوجستية.. لا «قاعدة ومقر»

 

تعتبر القواعد العسكرية الأمريكية والفرنسية، وغيرها في جيبوتي، قواعد حقيقية وبؤر استيطانية لتنفيذ الاستراتيجيات الأمريكية والفرنسية في إفريقيا. واتخذت الولايات المتحدة وفرنسا تلك القواعد، كمركز للإفراج عن الردع العسكري في إفريقيا، وبغرض تعظيم مصالحها الذاتية.

وفي هذا السياق، العلاقات الصينية الأفريقية مبنية على أساس المنفعة المتبادلة، وتنفيذ السياسة الصينية اتجاه إفريقيا ليست بحاجة إلى الاعتماد على قوة الردع العسكري. كما تهدف عمليات البحرية الصينية في خليج عدن وغيرها من المناطق إلى مواجهة القراصنة وتأمين الملاحة، وتنفيذ عمليات الإجلاء واسعة النطاق في العديد من المناطق المضطربة.

ولم تفكر الصين أبداً في تحويل محطة لوجستية في جيبوتي إلى «قاعدة ومقر» لتنفيذ ضربات مباشرة للأنظمة المعادية في الشرق الأوسط، ولا المنافسة مع الولايات المتحدة وفرنسا في البلدان الأفريقية. حيث أن الصين ليست بحاجة إلى هذا النوع من المواقف من أجل تعزيز تنميتها السلمية. وتجنب وزارة الخارجية الصينية ووزارة الدفاع استخدام كلمة «القواعد العسكرية» في الحديث، هذا في حد ذاته موقف. كما أن فكرة إقامة محطة لوجستية جاءت بشكل طبيعي بناءً على حاجة القوافل الصينية إلى نقطة شحن في خليج عدن، وليس من أجل الإعلان عن أول استراتيجية عالمية كبرى.

إن أكثر من يحرص على تسمية المحطة اللوجستية بـ«قاعدة عسكرية صينية» في جيبوتي هي وسائل الإعلام الغربية، في حين أننا لم نشهد حتى الآن أي رد فعل أو معارضة من قبل حكومات دول شمال إفريقيا، ومنطقة الشرق الأوسط والدول الغربية. بينما أعربت حكومة جيبوتي عن ترحيب حار بإقامة الصين للمحطة اللوجستية، إذ تعتبر دخول قوة بناء صينية فرصة للتنمية الوطنية.

حماية صعود إفريقيا

 

مما لا شك فيه، أن التعاون الاقتصادي والثقة السياسية المتبادلة بين الصين وإفريقيا أساس التوسع التدريجي للنفوذ الصيني في المنطقة والعالم. وأن إقامة الصين للمحطة اللوجستية في جيبوتي ستسهل رحلات البحرية الصينية على السواحل الأفريقية، وستزيد من اطمئنان الصينيين في إفريقيا، وهذا المنطق معقول وشرعي، كما أنه عامل إيجابي في صعود إفريقيا، وليس قوة عسكرية خارجية تحاول التأثير على الاتجاه المستقبلي للقارة.

في الواقع، طالما رحب العالم بظهور القوافل الصينية في المحيطات الساحلية، ورحبت بقوات التعمير الصينية لتنفيذ مشاريع التعاون على طول «الطريق والحزام»، فإن على العالم التفهم والترحيب بظهور البحرية الصينية في ممرات العالم الرئيسية جميعها، لحماية سلامة الأسطول الصيني، وللمساهمة أيضاً في ضمان نظام بحري مشترك تتمتع به الدول الأخرى.

الصين، ورغم أنها أكبر دولة تجارية في العالم، تبقى نشاطاتها البحرية في المحيطات منخفضة للغاية، ولا تزال بصمة البحرية الصينية في الكثير من الأماكن فارغة. وبالمقارنة مع القواعد العسكرية الأمريكية في جميع أنحاء العالم، يغدو الحديث عن «طموح الهيمنة البحرية» الصينية مضحك جداً.