التقاط اللحظة.. النظام العراقي يرمي آخر أوراقه
نشبت الاحتجاجات الشعبية في العراق أواسط العام الماضي في المحافظات الجنوبية، ثم ما لبثت أن انتقلت إلى العاصمة بغداد، رافعة شعارات «المتحاصصون هم سرّاق العراق»، و«داعش ولد من رحم فسادكم»، و«العراق طائفتي»، إلى جانب العلم العراقي وحده. واليوم، تعود الاحتجاجات بزخم أعلى، كنتيجة مباشرة للتدهور السريع في الأوضاع الاقتصادية..
نتيجة لوصول معدلات النهب في منظومة المحاصصة الطائفية إلى مستويات خيالية، إضافة إلى العامل الدولي المستجد لاسيما خلال العام الماضي، والمتمثل باستمرار انخفاض أسعار النفط، واستعداد إيران للدخول إلى أسواق الطاقة بقوة، تأثر الوضع الاقتصادي العام سلباً، فما هي انعكاساتها على الواقع المعيشي للعراقيين؟
البحث في جيوب الفقراء
في الوقت الذي يطالب فيه المحتجون بضرب مكامن الفساد، وتحسين الأوضاع المعيشية والخدمية، كالكهرباء، عملت الحكومة العراقية على تخفيض الرواتب الحكومية بنسبة 3%، وسط مخاوف من بعض الطروحات الحكومية التي تنادي بتخفيض يصل إلى 25%، في دولة لديها جهازاً متضخماً.
تعني هذه الإجراءات- المستندة إلى موازنة العام 2016، والتي بنيت على أساس سعر برميل النفط مقدراً بـ45 دولار للبرميل- أن عجز الميزانية المتوقع قد يصل إلى أرقام أكبر بكثير من المتوقع، حيث أن حوالي 90% من موارد العراق مصدرها إيرادات النفط الذي يصل إنتاجه إلى 4.7 مليون برميل يومياً.
بدأت هذه الأزمة الاقتصادية تظهر بأعراضها الأولى، وستستمر نتيجة سياسات الحكومة التي ترى في التقشف «حلاً»، إلى جانب التوجه إلى «صندوق النقد الدولي»، وبالتالي الموافقة على سياسات تخفيض دعم جديدة، وبالتالي عجز الحكومة عن إبداء مناورات من الطابع ذاته الذي بدأت به، تزامناً مع أولى موجات الحراك الجماهيري، تلك المناورات التي أخذت شكل الوعود الحكومية بإجراءات ضد قوى الفساد «لا سيما الصغير» في الهيئات الحكومية، وإجراءات ترقيعية أخرى، كتخفيض رواتب وحمايات هيئة الرئاسة والنواب وموظفي مجلس النواب، أما آخرها فكان دعوة رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، الكتل النيابية لتقديم مرشحيها لشغل المناصب الوزارية من سياسيين ومهنيين تكنوقراط.
المشكلة أكبر من تشكيلة وزارية
يحاول العبادي إظهار النوايا الحكومية بإحداث تغييرات شكلية تخفض من توتر الشارع العراقي، لتطال وزراء الحكومة الحالية، المنبثقة عن الكتل النيابية المرتبطة بمنظومة المحاصصة الطائفية، لكن أين البديل؟ من الكتل النيابية نفسها «!»، وهو ما يؤشر إلى ضيق الخيارات داخل هذه المنظومة التحاصصية الطائفية، المصنوعة بعناية أمريكية خالصة.
من جهة أخرى، أطلقت بعض القوى السياسية كـ«ائتلاف دولة القانون»، تحذيراً من مغبة الاحتكام إلى الشارع، خوفاً من انفلات الأوضاع الأمنية، خصوصاً بعد دعوات الاعتصام على أبواب المنطقة الخضراء، محمية الفساد والسفارة الأمريكية في العاصمة بغداد.
وفي ضوء الانشغال الأمريكي بترتيبات الخروج المنتظم من المنطقة، والتغيرات الإقليمية العاصفة المترتبة على هذا الخروج، أصبح من الممكن التنبؤ بمآل الوضع الداخلي في العراق، كونه أخذ استمراريته في فترة التقدم السابقة للولايات المتحدة إقليمياً بعد غزو العراق، لكن العامل الحاسم والمحدد لشكل العراق الجديد يتمثل في قدرة الحراك الشعبي على تثبيت الإنجاز الحالي، والمتمثل بصبغة الحراك المطلبي، وتسريع الوصول إلى أشكال تنظيمية تنزع من يد العباءات الطائفية ورقة التبني المزيف للمطالب المحقة، أو استثمار الحراك الشعبي في إطار النزاع السياسي القائم على حصص النهب، التي ما يزال الصراع على اقتسامها ماثلاً حتى الآن، ويبدو التغيير الحكومي القادم جزءاً منها ليس إلا !