ليبيا مخاطر وآمال
مازال الوضع في ليبيا بعيداً عن أخذ نهاياته الطبيعية، وعودة الحياة إلى مساراتها العادية، ولا يقتصر ذلك على وضع مدينتي سرت وبني الوليد لكنه يتعداهما إلى وقائع تشير إلى استمرار الهجمات المتبادلة بين المعارضة المسلحة وأنصار القذافي وكان منها قيام قوات موالية للقذافي بشن هجوم على مصفاة نفطية، وقد قتل المهاجمون /12/ حارساً من المعارضة الليبية.
ذلك واحد من الملامح التي تشير إلى أن أعمال القتال سوف تستمر في الربوع الليبية، أما الاتجاه الأخر الذي يبدو أن جماعة القذافي تريد السير به، فإننا نجد مؤشراته في الدول الحدودية المجاورة لليبيا والتي وصل إليها أعداد من مؤيدي القذافي، وقد وصل إلى النيجر /32/ مقرباً من القذافي بمن فيهم نجله الساعدي، وقد تتخذ تلك الدول مقرات لممارسة استمرار المعارك في ليبيا والقيام بهجمات في داخلها، كما ويعتمد «ملك ملوك أفريقيا» على علاقاته الخاصة برؤساء تلك الدول، وفي نفس الوقت يعلن الحلف الأطلسي استمرار «مهامه» في ليبيا، ويعلن سياسيون أميركيون وأوروبيون قلقهم من الفئات المتطرفة المشاركة في الثورة على حد زعمهم.
كل ذلك في الوقت الذي لا يشار فيه إلى انتهاء قضية مدينتي سرت وبني وليد، ونزوح مكثف للسكان المدنيين.
يضاف إلى كل ذلك ما أبداه المسؤولون الجزائريون من مخاوف من نشاط «القاعدة» خاصة بعد اكتشافهم تهريب أنواع عديدة من الأسلحة.
إن كل ذلك يدفع نحو رؤية أزمة ليبيا تتعمق، وواحد في هذه المؤشرات، هو تزايد عدد الدول التي تذهب للتدخل في القتال الجاري في ليبيا وترى مصلحة لها في استمراره وذلك لابتزاز القذافي ومجموعاته القيادية بعد أن حملت الكثير من الذهب والأموال.
إن استمرار الحرب في ليبيا يتطلب تأمين المقاتلين، وترى تلك الدول أن الحرب تؤمن تخفيف الضغط الداخلي وتراجع البطالة وتأمين موارد مالية لكثير من الأسر في تلك البلدان، ناهيك عن العلاقات الخاصة مع المسؤولين الليبيين، ويفسر ذلك أن الهدف يتعدى نصرة القذافي التي يرى رؤساء تلك الدول أن لا أمل له بالعودة.
أما دول الأطلسي فإنها تعزف على وتر التطرف لأهداف بعيدة تتعدى النفط وحصص شركاتها، وتصل إلى استخدام ذلك للابتزاز السياسي والتدخل في تكوين أجهزة الدولة الليبية ومؤسساتها وتسليح جيشها وتدريبه وجعله في علاقات وثيقة بالأطلسي، ولا يغيب عن الذهن أن دول الأطلسي تستخدم موضوعة «المتطرفين» لإشعال الانقسامات الداخلية ودفعها نحو أطوار جديدة تتيح للأطلسي مزيداً من التدخل. ومن يظن أن الدعوات القبلية التي يعتمدها القذافي ستنتهي إلى إعمال ضد الأطلسي، فإنه واهم، ودول الأطلسي يهمها الآن الانشقاقات الداخلية وخاصة في الأعماق الليبية.
إن مسؤولية الوطنيين الليبيين أينما كانت مواقعهم مسؤولية جسيمة وتاريخية وتعرقل الارتقاء إلى هذه المسؤولية تصريحات القذافي، والمفارقة الكبرى والمخزية أن القذافي الذي أعلن دائماً أنه ثوري وقاد ثورة الفائح، لم يسع إلى إضعاف القبلية، بل إنه يروج لذلك ويعتمد في خططه، كما الناتو، على تغذية وتأجيج القبلية ودفعها نحو تمزيق ليبيا وفرط وحدتها وتقسيمها.
إن أكبر مهمة أمام الشعب الليبي هي إنهاء القتال ومواجهة المهمة الأساس وهي قطع الطريق على حلف الأطلسي وإنهاء مهمة طائراته، والانصراف الجاد إلى فضح ومواجهة القبلية وذلك ببناء دولة وطنية ديمقراطية، لها دستورها الذي يتأسس على فصل السلطات والمسؤولية الوطنية.
إن غرباناً تنعق فتعيد إلى الذهن ما قيل قديماً وحديثاً ويرتكز ذلك على أن وضع الشعب الليبي غير مؤهل للديمقراطية، ويضيفون أن مجتمع القبائل غير محضر للتعددية السياسية وينسون أن ما جرى ويجري في ليبيا ليس نتاج الديمقراطية، كما أن الحريات الديمقراطية لم تتأمن خلال حكم القذافي، والاستخلاص الصحيح هو أن دكتاتورية القذافي وأجهزته هي المسؤول عما يجري في ليبيا وأن الشعب الليبي وضع يده على جراحه ويتلمس علاجها، وظروف عالمنا وتطوره بعد الحرب العالمية الثانية أضافت إلى وعي الشعب الليبي مزيداً من اليقظة الوطنية التي تضاعف الهمم الوطنية لقطع الطريق على خطط الأطلسي ودوله الاستعمارية.
إن الشعب الليبي في طريقه للانتصار الوطني على مشاريع الأطلسي ومخططاته.