بازار أمريكي- قطري في الأمم المتحدة حول فلسطين
منذ أيام، ألقى رئيس السلطة الفلسطينية في رام الله خطاباً أكد فيه أن التوجه إلى الأمم المتحدة طلباً للاعتراف بالدولة الفلسطينية «لا يعني عزل إسرائيل على الساحة الدولية»، وبالخطاب ذاته قدم محمود عباس نصيحةً إلى حكومة نتنياهو بعدم إعاقة جهود السلطة الفلسطينية إلى إقامة الدولة الفلسطينية إلى «جانب دولة إسرائيل»!.
.. وقد سبق انعقاد دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك إطلاق تهديدات أمريكية بوقف أية مساعدات للسلطة الفلسطينية إن هي استمرت في تقديم طلب الاعتراف بالدولة سواء في الجمعية العامة أو في مجلس الأمن، مع التلميح باستخدام حق النقض إذا توفرت غالبية في المجلس تأييداً للقرار.
وفي الجلسة الافتتاحية للجمعية العامة كان الرئيس أوباما صريحاً عندما قال: «يحق للفلسطينيين إقامة دولة ولكن من خلال التفاوض مع إسرائيل»، ولأن دولة قطر «العظمى» «مؤتمنة» على مصير القضية الفلسطينية وتشكل الطرف الثاني في البازار الأمريكي- القطري، جاء خطاب الأمير حمد ليصب جام غضب «دولته» ليس على سيد البيت الأبيض، بل على الحكومة الإسرائيلية التي أقفلت باب المفاوضات واستمرت في الاستيطان، ورفضت المبادرة العربية.
إذا كان عباس لا يرغب بعزلة «إسرائيل» والرئيس الأمريكي يرهن قيام الدولة الفلسطينية بموافقة الكيان الصهيوني، وأمير قطر يشكو من تعنت حكومة نتنياهو، أليس من حق الشعب الفلسطيني في الوطن المحتل وفي الشتات أن يرفض كل هذا البازار وكل المشاركين فيه الذين يمارسون الخداع وخلق الأوهام حول إمكانية قيام دولة فلسطينية تحت حراب الاحتلال تتعدى صلاحياتها ما حصلت عليه سلطة رام الله منذ عام 1994 حتى اليوم.
.. لا بأس من التذكير بأن السلطة الفلسطينية جاءت إلى رام الله بقرار إسرائيلي مدروس وهو أن تتبوأ تلك السلطة صلاحيات الإدارة المدنية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية مع الإبقاء على الحكم العسكري الإسرائيلي كمرجعية لها، وهذا ما هو حاصل على الأرض منذ عام 1994 وحتى الآن.
كما أن سلطة رام الله وقادة النظام الرسمي العربي تجاهلوا ما قاله يتسحاق رابين في الكنيست بعد توقيع اتفاقات أوسلو بأيام: «إن القدس ستبقى موحدة، والحدود الأردنية هي الحدود الآمنة، ولا لحق العودة».
ورغم كل ذلك، تقدم النظام الرسمي العربي بمبادرة السلام سيئة الذكر خدمةً للمشروع الأمريكي- الإسرائيلي، ليس من أجل الإجهاز على فكرة الدولة الفلسطينية الحقيقية فقط، بل من أجل تذويب حق العودة والتخلص من القرار 194 واستبداله بصيغة «حل عادل للاجئين يتفق عليه» أي «خذوا القليل مما يرمى لكم»، وهنا أيضاً نذكر بقرار الكنيست الصهيوني في 6 حزيران 1948 بعدم السماح لأي فلسطيني بالعودة، وكل من يتجرأ على ذلك يعامل معاملة «المتسلل»، وقد قامت العصابات العسكرية الصهيونية بقتل خمسة آلاف فلسطيني تنفيذاً لذلك القانون العنصري ما بين 1949- 1951.
وبالمقابل يثبت أبناء الشعب الفلسطيني أن حق العودة لا يذهب بالتقادم وقد ضرب السجناء الفلسطينيون المثال على ذلك عندما رفضوا الخروج من السجن المؤبد مقابل مغادرة أرض فلسطين.
وبالعودة إلى بازار نيويورك، نشير إلى أن إفلاس السلطة الفلسطينية ومن يدعمها من النظام الرسمي العربي، في تأمين مقومات الصمود الفلسطيني، ورفضها لخيار المقاومة الشاملة ضد الاحتلال لن يلزم الشعب الفلسطيني بالتخلي عن استعادة حقوقه الوطنية في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ليس على أرض القطاع وما تبقى من الضفة الغربية المحتلة، بل أقلها على المساحة التي أقرها القرار 181 الصادر عن الأمم المتحدة مع التطبيق الكامل للقرار 194 القاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم الذي هجروا منه بالحديد والنار..
وسيثبت التاريخ أن «المتسلل» هو من حملته بواخر وطائرات الحركة الصهيونية العالمية إلى أرض فلسطين عبر موجات الهجرة التي لم تتوقف لليوم.
وهنا لا علاج ولا خيار لعودة الحقوق إلى أصحابها إلاّ بالمقاومة وهزيمة المشروع الصهيوني في المنطقة