هل بات المشروع «الإخواني» خلفنا؟

هل بات المشروع «الإخواني» خلفنا؟

على اعتاب الانتخابات الحزبية، وصلت الخلافات الداخلية بين قيادات تنظيم «الإخوان المسلمين» في مصر إلى حدود غير مسبوقة، دفعت بالتنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين»، ورئيس «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين»، يوسف القرضاوي، إلى التدخل لـ«رأب الصدوع» الحاصلة في هيئات التنظيم داخل مصر وخارجها.

رغم الضربات الموجعة التي تلقاها تنظيم «الإخوان المسلمين» خلال الأعوام الأربعة الماضية في المنطقة والعالم، إلا أن أسئلة عديدة لا تزال حاضرة بقوة على طاولة البحث: هل انتهى دور التنظيم بشكل كامل، ثم هل من الممكن تجاوز الخطر الكامن في الطرح الاقتصادي- الاجتماعي والوطني لـ«الإخوان»؟

في مطلع العقد الحالي، اقتحم تنظيم «الإخوان المسلمين» المشهد المصري بقوة، وإثر تنحي الرئيس السابق، حسني مبارك، كانت المصلحة المصرية تتطلب إحراق جدي وسريع للتنظيم الذي نال ريعه التاريخي من عمليات القمع التقليدية/ المتخلفة التي قابلته بها أنظمة حاكمة تشاطره الولاء، بشكل مباشر أو غير مباشر، للبيت الأبيض. وفي الحالة المصرية، لم تكن من طريقة أنجع لتحقيق هذا الهدف سوى استلام التنظيم زمام الحكم، ووضع سياساته علناً تحت مجهر الحركة الشعبية المصرية المتصاعدة.

فشل متتالٍ..

سنة وثلاثة أيام من الحكم، كانت كفيلة بإثبات التنظيم عدم فاعليته، وعدم تناقضه من حيث الجوهر مع السياسات التي كانت قائمة منذ أيام مبارك. علاقات سيئة مع دول الجوار، وتهديد تام للأمن القومي المصري، وتورط في المشاريع «العربية»، ومزيد من التطبيع مع الكيان الصهيوني، واستمرار كامل للسياسات الاقتصادية الليبرالية، وضرب القطاع العام ولهاث وراء الاستثمارات الأجنبية، جميعها عوامل أفضت في نهاية المطاف إلى استكمال انتفاضة 25 يناير بحراك 30 يوليو، الذي جاء كإغاثة لمصر لانتشالها من التورط في ملفات جديدة.

سبق الفشل «الإخواني» في مصر فشل ذريع للتنظيم في كل من المغرب والسودان، حيث قادت سياسات التنظيم إلى خروج حراك شعبي كبير مناهض للسياسات الليبرالية في الأولى، فيما أفضت سياساته إلى تقسيم الثانية إلى دولتين (شمال وجنوب السودان). 

وفي سورية، كان التنظيم مطية للتغيرات الحاصلة في هامش المناورة الأمريكي. فعندما بنى الأمريكيون مشروعهم على إمكانية التدخل الخارجي المباشر في سورية، انبرى «الإخوان» تحت عباءة «المجلس الوطني»، ومع فشل هذا المشروع وسقوط خيارات «الإسقاط العسكري»، خلع الإخوان العباءة التي لم تعد تتوافق مع متطلبات المرحلة، وبات «الائتلاف» هو شكل حضورهم السياسي، مواربةً.

ضربة قاصمة جديدة؟

يرتبط تنظيم «الإخوان» عضوياً بمصالح رأس المال المالي العالمي، تلك المصالح التي ليست على استعداد للتخلي عن التنظيم كأداة فاعلة ورأس حربة لمشاريعها في المنطقة، وإن كان الوزن النوعي لـ«الإخوان» قد خفت إلى حدود غير مسبوقة مع ارتفاع الحركة الشعبية في العالم، فلا بد إذاً من «إعادة تدوير» التنظيم، ومحو تلك الصورة العالقة في الوعي الجمعي لشعوب المنطقة حول الطبيعة الاقتصادية- الاجتماعية والسياسات الإجرامية للتنظيم.

واحد من أهداف نشر الأذرع الفاشية في المنطقة، كـ«داعش» و«النصرة» ومثيلاتهما- هو تمهيد الطريق أمام «الإخوان» بعد تلميعهم كقوى «معتدلة» تحمل المضمون الأمريكي ذاته بعباءة مختلفة.

ذلك ما يدفع للقول بأنه من الخطأ الاعتبار بأن خطر «الإخوان» قد بات وراءنا، حيث تجري اليوم عمليات جمة لإعادة الاعتبار للتنظيم، وفتح مساحات جديدة له في المنطقة، بعد خضوعه لعمليات تجميل من نوع مركب، فالخطر الأكبر في هذا الصدد، هو الخطر الذي يتوقف النضال ضده.

تقتضي مواجهة التنظيم سد الثغرات التي استند إليها سابقاً لتأمين قاعدتـ«ـه» الشعبية، ذلك عبر تفعيل المعركة السياسية ضد برنامجه الذي يطابق جوهره إلى حد بعيد سياسات الأنظمة الحاكمة المأزومة أيضاً. وتؤمن الحلول السياسية التي تنطلق اليوم الأرضية الجيدة لهذه المواجهة التي من شأنها أن تشكل ضربة قاصمة جديدة للتنظيم ومحاولات إنعاشه.