من يخطب ودّ «القاعدة»؟
في كانون الثاني 2009 أعلن عن مبايعة «مجاهدي بلاد الحرمين» لإمارة القاعدة في اليمن والعمل سويا تحت اسم واحد هو «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب»، وأعلن اليمني ناصر الوحيشي أميرا لهذا التنظيم. وجذب هذا التنظيم عناصر القاعدة من السعودية ومن بلادأخرى الى اليمن وأبرزهم أنور العولقي الأميركي من أصل يمني، والضالع بالهجوم الذي نفذه الرائد في الجيش الأميركي نضال حسن في فورت هود في تكساس، وأدى إلى مقتل نحو13 عسكريا أميركيا.
كان تنظيم القاعدة في اليمن وراء المحاولات الفاشلة لتفجير طائرة من قبل النيجيري عبد المطلب، ولتفجير طرد مفخخ مرسل إلى الولايات المتحدة، وهي العملية التي أعلن الرئيس اوباما شخصيا عن إحباطها. رجح كشف العمليتين وإفشالهما وجود خرق قوي للتنظيم تُوّجبنجاح الأميركيين بقتل العولقي في اليمن. كما لفت انتباه المراقبين الحرية النسبية للتنظيم الجديد في اليمن، وخصوصا في الجنوب، واستخدام النظام اليمني ورقة القاعدة في تعزيز علاقاته مع الولايات المتحدة. لكن ما حصل بالأمس القريب بلغ حداً يدفع نحو طرح أسئلةجدية حول استخدامات النظام اليمني والقوى الداعمة له لورقة القاعدة, فقد احتل عناصر التنظيم مدينة رداع في محافظة البيضاء في شمال اليمن، وسارعت على الفور المعارضة اليمنية وشيوخ القبائل باتهام النظام وأعوانه والقوى الأمنية بتسليم المدينة إلى القاعدة!
ليس بعيدا عن اليمن، أعلنت قـطر عن نيتــها فتح مكتب لحــركة طالبان، التنظيم الشقيق للقاعدة، في مدينة الدوحـة، ضمن إطار ترتيبات ما قبل انسحاب القوات الأميركية من أفغانســتان المقـرر أواخر 2014, كما أعلن أن مكتب التحقيق الفدرالي (اف بي آي) قد شطــباســم الملا محمد عمر وأسماء عدد من قادة طالبان عن لائحة المطـلوبين بتهــمة الإرهاب، بعدما كان عمر من أخطر المطــلوبين في تفـجيرات 11 أيلول بـسبب تقديمه الملاذ الآمن لزعماء القاعدة وعلى رأسهم بن لادن.
لا يعقل أن تبادر قطر إلى فتح مكتب لطالبان من دون موافقة الولايات المتحدة أو تلبية لطلبها. ماذا حصل؟ بعد 11 أيلول أعلن الرئيس جورج بوش الحرب على الإرهاب، وهدد كل من يؤوي أو يرعى أو يؤيد الإرهاب، واستصدر قرارات دولية لمنع تمويله وأعلن إنشاءوزارة للأمن الداخلي وتسبب بالتضييق على الحريات، وبحملات تمييز ضد المسلمين، وشاركه في ذلك الزعماء السياسيون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وأصبحت مكافحة الإرهاب لازمة سياسية أميركية تسمعها في كل المناسبات. واليوم تشطب الولاياتالمتحدة اسم الملا عمر، وتأذن بفتح مكتب له، وتغض الطرف عن التعاون الخفي بين القاعدة وحليفها النظام اليمني وتتجاهله، فضلا عن الشكوك حول الاتحاد الملتبس للتنظيم في جزيرة العرب وانتقاله إلى اليمن، ما يشير الى تبدل في التوجهات الأميركية والانتقال منمحاربة تنظيم القاعدة إلى نوع من التعاون مع هذا التنظيم.
ماذا تريد أميركا من القاعدة في اليمن؟ الأرجح أن العمليات الأخيرة إفشال تدريجي ممنهج للثورة اليمنية، والحفاظ على سلامة دول مجلس التعاون الخليجي من مؤثرات ثورة اليمن. وفي أفغانستان يتوقع أن تؤدي الاتصالات مع طالبان إلى تسلم الحركة مقاليد السلطة بعدالانسحاب الأميركي، وتكون طالبان عندها في وضع صداقة وتحالف مع الولايات المتحدة، وعلاقة عداوة مع إيران، إذا كانت الحسابات الأميركية تفترض استمرار النظام الإيراني بوضعه الحالي في ذلك الوقت.
وفي الجانب الأوروبي، يظهر التعاون بين القاعدة والاتحاد الأوروبي علناً, فقد أعلن رئيس وزراء اسبانيا السابق جوزيه ماريا ازنار في حديث إلى شبكة سي ان بي سي: «اننا ساعدنا عددا من القادة الإسلاميين الذين يستلمون السلطة اليوم من دون أن يظهروا عرفانابالجميل لما قدمناه لهم في السابق»، ويعطي مثلا راشد الغنوشي الذي «لولا منحه اللجوء السياسي في بريطانيا لكان دفن حيا في السجن». وأضاف: «أن الأكثر سوءا هو القائد العسكري للمتمردين الليبيين عبد الحكيم بلحاج، وهو جهادي معروف، وأحد المشتبه فيهمالمتورط بتفجيرات محطة القطارات في مدريد في آذار 2004». والمعروف أن بلحاج كان معتقلا لدى الأميركيين قبل الإفراج عنه. هكذا تحول المشتبه في التفجير إلى حليف أوروبا في عمليات حلف الأطلسي العسكرية في ليبيا في حرب استمرت أكثر من ثمانية أشهر،تطلبت تنسيقا مستمرا بين قيادة الأطلسي والقيادة العسكرية للمتمردين، وعلى رأسها المشتبه في تورطه بتفجيرات مدريد. من سعى وراء الآخر؟ الواضح من مجريات الأحداث، ان أوروبا هي التي سعت وراء بلحاج من أجل ليبيا, وان أميركا هي التي تسعى وراء الملاعمر من أجل أفغانستان وان علي عبد الله صالح هو من يسعى وراء القاعدة من أجل النظام في اليمن.
في الثمانينيات من القرن الماضي كانت الولايات المتحدة في الإدارة والكونغرس تبدي شديد الإعجاب بالمجاهدين الأفغان، وسماهم الرئيس ريغان «مقاتلين من أجل الحرية»، وقدم لهم كل أنواع الدعم، وكانت نتيجة هذا الزواج إنجاب مولود وحش هو 11 أيلول. أما اليومفعلاقة الغرب مع القاعدة تشبه زواج «الفرند» الذي من المتعارف انه لا ينوي الإنجاب وينتهي مع نهاية الصداقة, لكن أنى لهذا الزواج ولهذه الصداقة أن تنتهي من دون إنجاب مسخ 11 أيلول آخر؟