المحرقة أمريكية.. هل يتلقف الخليج طوق النجاة؟
تحظى منطقة الخليج العربي بخصوصية اقتصادية، تتعلق بحصتها السوقية من إيرادات النفط الخام والمكرر على المستوى العالمي، حيث تنتج السعودية وحدها 10.5 مليون برميل نفط, فيما تصل حصة الإمارات إلى 3 مليون برميل يومياً. لكن، وفي ظل حرب عالمية اقتصادية- سياسية مركبة على جبهة الطاقة, يبقى السؤال: ما مصير الاقتصادات الخليجية في المرحلة المقبلة؟
تستنزف دول الخليج مواردها النفطية، واحتياطاتها المالية الكبيرة, على جبهتين أساسيتين: جبهة سياسية- عسكرية, بغرض تحصيل نفوذ كبير لها في المنطقة، من خلال التدخلات الخارجية, وجبهة اقتصادية، بدافع العلاقة القوية مع الولايات المتحدة- رأس الحربة في حرب النفط المستهدفة للمصدّرين الصاعدين اقتصادياً، كروسيا وإيران وغيرهم.
خسارات إقليمية متلاحقة
إقليمياً، تعمل السعودية والإمارات على جبهات ممتدة من ليبيا حتى اليمن تمويلاً وتسليحاً. وتبدو سورية واليمن أكثر الساحات تظهيراً لنتائج هذه التدخلات حتى الآن. في النتائج التي خلص إليها أحد التقارير الأمريكية, المنشور في صحيفة «واشنطن بوست» في أيلول الماضي, أحصى التقرير أرقاماً صادمة, نورد منها تدمير 98 موقعاً عسكرياً سعودياً في نجران وجيزان وعسير تدميراً كلياً, إضافة إلى تدمير مقر العمليات للجيش السعودي في الخوبة, ومقر قيادة القوات الجوية في قاعدة «خميس مشيط» الجوية. هذا على مستوى المواقع العسكرية. أما في المعدات، فيلحظ التقرير تدمير ما يقارب 600 دبابة، و57 مدرّعة خليجية، في مناطق جيزان ونجران. وهنا، تجدر الإشارة إلى أننا نرفق الأرقام باعتبارها دلالات اقتصادية, بعيداً عن الخسائر البشرية التي يكفي الإشارة لها بإحصاء التقرير لأكثر من 2326 جندي، و58 ضابط وجنرال من الرتب العليا.
في المقابل، أفادت بيانات مؤسسة «النقد العربي» السعودية أن الحكومة السعودية سحبت ما يفوق 25 مليار دولار من أرصدتها الاحتياطية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري, لزيادة الإنفاق العسكري من جهة, وتقديم المساعدات المالية للدول المشاركة إلى جانبها من خارج «مجلس التعاون الخليجي», كالمغرب والسودان والأردن، التي قدّرت بحوالي 5.5 مليار دولار.
ولن تقتصر الخسائر الخليجية على ما جرى دفعه خلال التدخل العسكري في اليمن، بل كذلك في المرحلة المقبلة التي من المتوقع أن تشهد انفتاحاً في أفق الحلول السياسية في البلاد، حيث ستشكل عملية إعادة إعمار اليمن خسارة مضافة ربما يجبر الخليج على دفعها وفق التوازنات الجديدة.
«كسر العظم» ينعكس سلباً
تحوز السعودية على احتياطات نقدية كبيرة, تصل إلى 700 مليار دولار. ونتيجة لاستمرار انخفاض أسعار النفط دون 45 دولار للبرميل, تبلغ خسارة السعودية ما يقارب 250 مليار دولار سنوياً, وهذا ناتج عن قيامها- بدفع وضغط من واشنطن- بتثبيت أرقام الإنتاج اليومي والذي يصل إلى حدود 10.5 مليون برميل, فيما تنتج الإمارات 3 مليون برميل يومياً.
تراهن السعودية والإمارات في إصرارهما على استيعاب الخسائر, على احتياطاتهم النقدية الكبيرة في محاولة لـ«كسر عظم» الروس والإيرانيين اقتصادياً. لكن، وبعيداً عن إمكانية نجاح المهمة الخليجية المرسومة أمريكياً في نهاية المطاف- فإن توقعات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن العجز في الموازنة السعودية يصل إلى 140 مليار دولار خلال عام 2015\2016, والسبب يعود إلى حجم الإنفاق الكبير داخلياً في السعودية, حتى أن الأخيرة تدرس رفع الدعم عن بعض المواد الأولية، وفرض ضرائب إضافية على المواطنين, ناهيك عن تكاليف الحرب المستمرة في اليمن. فيما تشير تقارير أخرى إلى وصول العجز في إمارة أبو ظبي، مثالاً، إلى 20% من إجمالي ناتجها المحلي لأسباب متقاربة نسبياً.
تكلفة السباحة عكس التيار
تخوض الإدارة الأمريكية حرب أسعار النفط، وتوظفها في صراعها حامي الوطيس مع روسيا وبعض الدول الأخرى المصدرة للنفط. أما من يدفع الفاتورة الكارثية عن هذه الاستراتيجية الأمريكية فهي البرجوازية الخليجية عموماً، والسعودية بوجه خاص. وإن كانت حرب أسعار النفط تخاض أمريكياً كجبهة من جبهات متعددة للصراع مع القطب الصاعد عالمياً، فإن هذه الحرب ذاتها تشكل مقتلاً بالنسبة للخليج العربي فيما لو فشلت المعركة، كما تشير التوازنات. من هنا، فإن موقف الخليجيين هو الأشد حرجاً على أساس ارتباطهم الشديد بسياسات الإدارة الأمريكية المتراجعة اليوم، على المستوى العالمي، وفي المنطقة.
في المقابل، فإن النموذج المتوازن من العلاقات الذي يقدمه المعسكر الآخر، وعلى رأسه روسيا، يضع الخليج اليوم أمام مفترق طرق في خياراته الاستراتيجية، عبر المشاركة في تغيير منظومة العلاقات الدولية اقتصادياً وسياسياً, عوضاً عن تلقي نتائج التبعية الأمريكية.
نظراً لمستوى التورط في الصراعات ذات الطابع الدولي، ولمصلحة الإدارة الأمريكية، ربما تبدو استدارة الدول الخليج قاسية جداً. لكن، يبقى السؤال مطروحاً: هل يتلقف الخليج طوق النجاة المرمى إليه، بما يجنبه تبعات كارثية ناتجة عن سباحته عكس التيار الذي يفرضه النظام الدولي الجديد؟