«قنبلة» الخنوع عواطف وتساؤلات ورجاء..!

«قنبلة» الخنوع عواطف وتساؤلات ورجاء..!

انفضّت جلسة يوم الأربعاء 30/ أيلول لاجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، في دورتها السبعين، دون أن يشعر العالم بدوي انفجار القنبلة التي وعد بها رئيس سلطة الحكم الإداري الذاتي في رام الله المحتلة، محمود عباس.

بدأ عباس خطابه وأنهاه، بتوصيف لمعاناة أبناء الشعب الفلسطيني، وباستهداف مقصود لإثارة عواطف الحضور والمشاهدين والمستمعين، تجاه الدماء التي تسيل واللحوم المحترقة والاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى التي تقودها عصابات القتلة من المستعمرين «المدنيين» والعسكريين الصهاينة. 

«سها!» رئيس السلطة عن مجازر جماعية متكررة ارتكبها جيش الغزو والاحتلال الفاشي بحق شعبنا في قطاع غزة خلال السنوات القليلة الماضية. ومابين البداية والنهاية، برزت عبارات ومصطلحات بصيغة التساؤل، أو الاستهجان، عن دوافع حكومات العدو لممارساتها الوحشية تجاه المواطنين والأرض: «أما آن لهذا الظلم أن ينتهي؟ أما آن لهذه العذابات أن تتوقف؟ أما آن لهذا الجدار العنصري العازل أن يفكك ويزال؟ أما آن لنقاط التفتيش والحواجز المذلة والمهينة التي يقيمها جيش الاحتلال الإسرائيلي على أرضنا أن تزول، وأن يرفع الحصار الصهيوني عن قطاع غزة،  أما آن لأطول احتلال في التاريخ جاثم على أنفاس شعبنا أن ينتهي؟..». من الواضح أن طلب تقديم التنازلات بتلك الكلمات يمكن أن يؤدي- عند البعض- لنتيجة..!

تكفي الإشارة إلى تجربة أكثر من عقدين من الزمن، بعد توقيع اتفاق «أوسلو» المشؤوم، ففيها من الدروس لكل من يريد رؤية الحقائق على الأرض، أن يقلع عن تلك الأوهام. لأن المشروع الاستعماري/ الصهيوني، منذ أكثر من قرن من الزمن، وثكنته العسكرية المتقدمة، منذ ستة عقود ونيف، ما هي إلاّ التعبير/ الإجراء العملي الذي ينسف كل ما لحق بكلام عباس بعد «أما آن..».

أين الرواية الفلسطينية للصراع؟

ما تحدث به رئيس السلطة كان مجتزأً ومنقوصاً في سرده للحقوق التاريخية لشعبنا في وطنه التاريخي المحتل. حيث معيار التزام أية قيادة فلسطينية بحقوق شعبها، يعني قدرتها ليس على طرح وتبني الرواية الوطنية الفلسطينية فقط، في مواجهة الغزو والاحتلال الذي نتج عنه مجازر واعتداءات وطرد السكان الأصليين، بل ودحض وتعرية الرواية الاستعمارية، اليهودية/ الصهيونية عن حق تلك الجماعات باحتلال فلسطين التاريخية. 

إدارة الظهر للشعب في الجزء المحتل من وطننا في عام 1948، وفي مناطق اللجوء والتشرد والاغتراب، كما تضمنها اتفاق إعلان المبادئ «أوسلو» الكارثي، هو جذر الأزمة السياسية الفلسطينية الراهنة. إذ أن أية قراءة لمضمون الخطاب، يجب أن تنطلق من أن تصويب الوضع السياسي والتنظيمي يتطلب تفكيك الأسس التي قامت عليها البنى التنظيمية والإدارية، انطلاقاً من التخلي عن الاتفاق المشؤوم، وما نتج عنه من تنسيق أمني «مقدس» واتفاقات وبروتوكولات اقتصادية. 

إن الكلام عن عدم التزام حكومة العدو بالاتفاقات سيدفع بالسلطة لعدم الالتزام، أيضاً كما جاء في الخطاب: «لن نبقى الوحيدين ملتزمين في تنفيذ تلك الاتفاقيات، بينما تستمر «إسرائيل» في خرقها، وعليه، فإننا نعلن أنه لا يمكننا الاستمرار في الالتزام بهذه الاتفاقيات، وعلى «إسرائيل» أن تتحمل مسؤولياتها كافة كسلطة احتلال، لأن الوضع القائم لا يمكن استمراره، وقرارات المجلس المركزي الفلسطيني في شهر آذار الماضي محددة وملزمة». 

قرأت صحافة العدو في الخطاب تحولاً شكلياً في الموقف: كتب باراك رافيد، في «هآرتس»: «هذه المرّة، وخلافاً للماضي، وفى بوعده، فقد أخرج فعلاً القنبلة من جعبته، لكنا لسنا أمام قنبلة متفجرة، إنما قنبلة تطلق روائح كريهة لا غير، سرعان ما ستتبخر رائحتها؟». أما صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فقد اعتبرت أن «أبي مازن، مع كل التهديدات التي ذكرها، والصياغات الضبابية التي اختارها، حرص على أن يرفقها مباشرة بتحفظات واشتراطات أبقت بيديه عملياً خيار تأجيل موعد تنفيذ هذه التهديدات للمستقبل، لهذا، اكتفى بوضع القنبلة على الطاولة دون إشعال فتيلها».

يتطلب النهوض من ركام الخراب إجراءات على الأرض تترجم الأقوال لخطة عمل/ خارطة طريق جديدة، تتطلب أن تمتد الأيادي لقوى الشعب الفلسطيني المناضلة والمقاتلة، وللتيارات والإطارات الشعبية المتمسكة بالمقاومة، للتوافق على برنامج سياسي واقتصادي اجتماعي يحدد أساليب وآلية العمل، بجهد جماعي وتشاركي، بهدف مواجهة خطط العدو السياسية والقمعية الاحتلالية.

«وما نيل المطالب بالرجاء»..!

في عالم مضطرب، تتقاذفه أمواج الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وترسم بعض أقاليمه، النيران والمعارك، وتنشأ في داخله، تحالفات تفرضها وقائع الطموحات، وأجهزة الاستخبارات، والمصالح الاستراتيجية. تعاني قضية التحرر الوطني للشعب الفلسطيني، ليس بفعل ما أشرنا إليه، بل نتيجة تغييب أساليب النضال الوطني والمواجهة الدائمة مع الغزاة المحتلين، ومطاردة المقاومين، حملة السلاح وأصحاب النهج الثوري في مواجهة العدو، ولتفريغ منظمة التحرير من مضامينها التحررية، والاستعاضة عنها بسلطة شكلية. إن عالماً يعيش حالته المضطربة، لا يمكن له أن يلتفت للضعفاء والعجزة، ولا يهتم كثيراً لعبارات الرجاء التي تكررت في الخطاب: «نرجوكم، نرجوكم، نرجوكم»..!

تنتزع الحقوق الوطنية بالمقاومة، عبر وحدة الشعب وقواه المناضلة بوجه الغزاة والاحتلال، في جبهة وطنية موحدة تلتزم ببرنامج سياسي واقتصادي اجتماعي وكفاحي، تصوغ وتبني تحالفات إقليمية ودولية تخدم هذا البرنامج. فهل تتمكن قيادة السلطة من تحقيق ذلك؟ متابعة النهج والسياسات التي مارستهما قيادة المقاطعة في رام الله المحتلة على مدى العقدين الأخيرين، لا تحمل على التفاؤل. والوقائع على الأرض في الأسابيع والأشهر القادمة هي الدليل.