سباق الساحات.. بين «الإصلاحات» والاحتجاجات
محمد عبد الواحد محمد عبد الواحد

سباق الساحات.. بين «الإصلاحات» والاحتجاجات

تتصاعد حركة التظاهرات العراقية المنددة بالفساد والنهب والتحاصص السياسي، فيما تلجأ حكومة العبادي إلى الحد الأدنى من «الإصلاحات» وتصعيد النبرة الخطابية في وجه باقي القوى السياسية، غايتها الضمنية عملية إقصاء وتضييق وتصفية حسابات مع المنافسين والخصوم.

الآلاف من المتظاهرين في مختلف المدن والساحات العراقية خرجوا يوم الجمعة الماضي، 21 آب، مثبتين أن المطالب المحقة للناس تتجاوز في ضرورتها الانقسامات العمودية التي ثبتتها مفرزات الغزو الأمريكي في العراق.

مطالب الناس:

بين التأريض والدعم

احتشد آلاف العراقيين في ساحة التحرير وسط العاصمة العراقية بغداد،  بشعارات وهتافات مناهضة للفساد، ومطالبة بملاحقة المفسدين وإصلاح القضاء، وصولاً إلى التغيير الشامل في مؤسسات الدولة كلها، فيما بدا لافتاً تحليق مروحيات الجيش العراقي فوق المتظاهرين، رافعةً العلم العراقي، في إشارة إلى «طمأنة المتظاهرين» وفق ما نقلت وسائل إعلام عراقية.

وفي مقابل «الإصلاحات» التي تقوم بها حكومة العبادي، طالب بعض المحتجين في بغداد والنجف وديالى والناصرية والبصرة وبابل وكربلاء والديوانية والهندية، برفع سقف هذه الإصلاحات، ودفعها لتطال تلك الجوانب الجدية في التصدي للفساد ولقوى النهب. فيما يرى قسمٌ آخر أن حكومة العبادي هي جزء من نظام التحاصص العراقي، مما لا يخولها أن «تركب» موجة الحراك الشعبي للتحكم بمخرجاته وفق ما يخدم غايات سياسية ضيقة لرئيس الحكومة، حيدر العبادي، والوزراء المقربين منه، مما شأنه أن يؤرض مطالب الناس واعتراضهم الواضح ضد المنظومة ككل، وليس ضد أطراف بعينها فقط.

ارتباط الاقتصادي بالوطني.. والـ1000 مليار

كما هو الحال في منظومات التحاصص التي جرى ترسيخها منذ تسعينيات القرن الماضي وبدايات هذا القرن، استغل نظام المحاصصة العراقي، على اختلاف القوى السياسية المشاركة فيه، ثروات العراق واستنزفها حتى الرمق الأخير. فخلال 12 عاماً من تحكم المفرزات الأمريكية بمقدرات العراق، جرت عملية سرقة ممنهجة لخزينة الدولة، وتتحدث التقارير عن أكثر من ألف مليار دولار أمريكي نهبها نظام التحاصص منذ وجوده، وهو ما يعدُّ كافياً لبناء عشرة دول..!

تطاول الاحتجاجات القوى السياسية الموجودة في السلطة جميعها. وفي العمق، يثور العراقيون ضد نظامٍ عملت الولايات المتحدة كثيراً على تعزيزه في العراق. فبدلاً عن الطرق التقليدية القائمة على تثبيت حكم تابع بشكلٍ مباشر وعلني للدول الاستعمارية، اشتغلت الولايات المتحدة منذ التسعينيات على تعميم نماذج التحاصصات السياسية التي تستدعي تقسيماً عمودياً لمواطني البلاد المستعمَرة، على أسسٍ دينية وقومية وعرقية.

عند هذا الحد، ومهما كان مآلها مرحلياً، لا تغدو التظاهرات العراقية، احتجاجاً على الفساد الاقتصادي والنهب فقط، بل إنها نضالٌ يربط ما بين القضية الوطنية المستندة إلى مواجهة الغرب الإمبريالي، وبين القضية الاقتصادية الاجتماعية، التي تتمثل اليوم في وقوف الشعب العراقي في وجه المفرزات الأمريكية، بغض النظر عن الانتماءات والتصريحات والغلاف الخارجي لتلك القوى الناهبة.