هل بدأ التدخل الأمريكي في أرمينيا؟
تؤكد الأحداث السياسية الأخيرة، التي جرت في كل من هنغاريا وبلغاريا ومقدونيا وصربيا على تضاؤل القدرة الأمريكية على إشعال حرائق كبرى مثل ما يجري في أوكرانيا وسورية واليمن، لكن دون تخليها عن هذه الاستراتيجية في محاولاتها لإرباك روسيا وإشغالها عن إطفاء الحرائق الأمريكية والضغط عليها. ويبدو أنه في هذا السياق تندرج محاولات التأجيج الأمريكي للأحداث الأرمينية الأخيرة، بالاستناد إلى تشققات الوضع الاقتصادي الاجتماعي في البلاد.
تواصلت الاحتجاجات في أرمينيا منذ 19 حزيران، وقد يبدو للوهلة الأولى أن هذه الاحتجاجات سببها في الحقيقة فقط، الاحتجاج الشعبي على قرار الحكومة رفع أسعار الكهرباء بنسبة 16% اعتباراً من شهر آب القادم، وهو أمر مألوف بدول العالم في أشكال ردود الفعل الشعبية مع سياسات حكومية جائرة، غير أن عمليات التخريب والعنف من جانب بعض المتظاهرين توحي بسيناريو مختلف، ضمن محاولات الولايات المتحدة وحلف الناتو إشعال مزيد من الحرائق في العالم، بالإضافة إلى محاولاتهم للتوسع العسكري في المحيط الحيوي الروسي.
وسبق لوسائل الإعلام السائد أن أعلنت «أن الأحداث كانت لتنحو منحى آخر لولا قيام المئات من عناصر شرطة مكافحة الشغب بتفريق المتظاهرين مستخدمين الهراوات وخراطيم المياه، في أخطر مواجهة بين الشرطة ومتظاهرين خلال السنوات الماضية».
وهكذا بدأ الإعلام الغربي الحديث المعتاد عن «وحشية الشرطة المفترضة»، في حين أنه لم تحدث أية مواجهة خطيرة حتى الآن. وتدل الوقائع الأولى إلى أن أعمال العنف التي حدثت قد جاءت من جانب متظاهري شارع باغراميان، مسفرة عن 11 إصابة بين الشرطة و7 إصابات بين المتظاهرين وتوقيف 240 متظاهراً.
روسيا تحذر من «الأكرنة»
أعلنت موسكو منذ بداية الاحتجاجات، عن أملها في تسوية الوضع في أرمينيا، حيث قال دميتري بيسكوف السكرتير الصحفي للرئيس الروسي إن «أرمينيا تعد شريكنا الأقرب، وهناك روابط تاريخية بين روسيا وأرمينيا، وبطبيعة الحال نتابع باهتمام تطورات الأحداث هناك ونأمل في تسوية هذا الوضع في أقرب وقت ممكن وفق القانون ودون أي انتهاكات للقانون».
وبعد قيام المتظاهرين بإغلاق شارع المارشال باغراميان وسط العاصمة، حذر برلماني روسي من تكرار «السيناريو الأوكراني» في أرمينيا.
من جانبه صرّح إيغور موروزوف عضو لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي، أن الأحداث الحالية في أرمينيا تشابه تماماً «المرحلة الأولى من الانقلاب في أوكرانيا»، مشيراً إلى أن واشنطن ربما «تدير» هذه الأحداث، خاصة وأن السفارة الأمريكية في أرمينيا هي من أكبر البعثات الأمريكية في الخارج، حسبما أعلنته وكالة نوفوستي.
قال موروزوف: «أرمينيا أصبحت على وشك انقلاب باستخدام الأسلحة النارية، وسيحدث ذلك ما لم يستخلص الرئيس الأرميني سيرج سركسيان دروساً من الأحداث الأوكرانية»
الحكومة الأرمينية تريد حل الأمر سلمياً
من جانبه، أعلن وزير خارجية أرمينيا، إدوارد نالبانديان، في لقاء مع نظيره البيلاروسي فلاديمير مالكي في مينسك في 29 حزيران، عن نية بلاده تجاوز الأزمة الحالية من خلال الحوار وبالطرق السلمية، كما ندد بالتصريحات التي تصدر من المجتمع الدولي، التي تدعو بشكل مسيس «للدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في أرمينيا».
وأوضح نالبانديان أن الحكومة الأرمينية قررت إجراء عملية التدقيق في حسابات شركة الطاقة، بسبب استياء المواطنين من زيادة أسعار الكهرباء، مضيفا أن السلطات ستقوم بتعويض الزيادة في الأسعار للمواطنين خلال فترة عملية تدقيق الحسابات.
كما أصدر الرئيس الأرميني سيرج ساركيسيان أوامره إلى الشرطة بالانسحاب من الشوارع، وعدم استخدام القوة لمنع تكرار السيناريو الأوكراني.
تصعيد جديد على طريقة الثورات الملونة
ومع تواصل الاعتصام الجاري وسط العاصمة الأرمينية منذ أسبوعين، استجاب قسم من المحتجين لدعوة الرئيس ساركيسيان بالحفاظ على الانضباط والقانون وحل الأمر سلمياً ومراجعة قرار رفع أسعار الكهرباء، وقاموا بإخلاء شارع باغراميان نحو ساحة أخرى.
غير أن قسماً آخر من المحتجين قام بتوجيه إنذار للحكومة، وإقامة مزيد من المتاريس وتحريك حاويات القمامة باتجاه القصر الرئاسي، مواصلاً رفض دعوات الحكومة بحل الأزمة، لتتجدد أعمال العنف في الشارع مرة أخرى في 6 تموز، حيث حدثت مواجهات، قامت الشرطة خلالها بإزالة العديد من المتاريس.
وبين محاولة الشرطة عدم اللجوء «لاستخدام القوة المفرطة»، وتهديد عدد من قادة الاعتصام بمواصلة «تحدي السلطات»، ووعود الحكومة بمراجعة مسألة رفع أسعار الكهرباء، بوصفها سلعة استراتيجية لديها تأثير الدومينو برفع تكاليف المعيشة، يبدو واضحاً أن المواطن الأرميني هو من سيدفع فاتورة سياسات التحرير الاقتصادي وفوقها انعكاسات الاستقطاب الإقليمي الدولي المأجج أمريكياً فوق أرضه.