مصر بين الإرهاب الفاشي والثورة الحقيقية
بعد سلسلة من هجمات إرهابية سابقة مشابهة في مصر، جاءت عملية اغتيال النائب العام في القاهرة، وما تلاها من هجمات مكثفة ومركزة ومكلفة بشرياً على نقاط الجيش المصري ومعسكراته في سيناء، بالتزامن مع الذكرى الثانية لثورة 30 حزيران، لتشكل «نقطة انعطاف» في المشهد المصري، ضمن مشروع تعميم الفوضى في أرض الكنانة.
وإذا كان اللافت المخزي هو ذاك النمط من التضليل الإعلامي، الذي تقوده قناة الجزيرة القطرية، في سياق تبرير تلك الهجمات، بأن السلفية الجهادية، متمثلة بما يسمى بأنصار بيت المقدس «كانت بالأساس «مقاومة» تستهدف «إسرائيل»، ثم انقلبت لاستهداف الجيش المصري بعد التضييق عليها»، والذي يعد خلطاً متعمداً بين المقاومات الوطنية أو الإسلامية، والسلفية الجهادية، بكل ما تعنيه المفردة من اختراقات استخباراتية دولية وإقليمية، فإن استهداف الجيش المصري- بعد إعلان «داعش» عن قيام «إمارة سيناء» يفند هذه الدعاية السوداء، وهو يستهدف مصر كجغرافية سياسية، واحتمالات استعادتها لوزنها الإقليمي على قاعدة لجوئها لخيارات أخرى، خارج العباءة الأمريكية الصهيونية التقليدية، والذي كانت أبرز معالمه الانفتاح السياسي والعسكري والاقتصادي على روسيا، ومحاولة لعب دور بناء في إيجاد حل سياسي للأزمة السورية.
في المقابل، وبحكم الدروس المستقاة من تجارب وأزمات أخرى، سابقة وقائمة، فإن اكتفاء لجوء النظام في مصر إلى السلطة القضائية- على أهميتها- وإلى الوسائل الأمنية- العسكرية الصرفة لوحدهما، هو أمر غير كاف للمواجهة، مالم يجر البدء الفوري والجدي بمعالجة جذرية لملفين أساسيين، عالقين ومستفحلين، في مصر، هما: الملف الوطني، ارتباطاً بمسألة معاهدة كامب ديفيد مع العدو الصهيوني، وما نتج عنها من تطبيع اقتصادي بالدرجة الأولى، والملف الاقتصادي الاجتماعي، وفي مقدمته وضع مهمة تحقيق النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، في بلد تغولت فيه حيتان الفساد إلى أقصى درجة، دون أن تجري تغييرات جدية جذرية في بنية جهاز الدولة، المستمر منذ عهد السادات إلى اليوم، مروراً بعهدي مبارك ومرسي، في وقت تخشى فيه هذه الحيتان من أي مساس، محتمل موضوعياً، بهيمنتها، بل تسعى إلى توسيعها وتكريسها.
وعليه فلا يمكن تصوير ما تتعرض له مصر حالياً على أنه مؤامرة صرفة، بمقدار ما أن المؤامرات تستند دائماً إلى الشقوق الأساسية الكبرى الداخلية، على اعتبار أن العدو موجود في الخارج والداخل، على حد سواء. ولن تكون هناك قدرة لدى النظام المصري على المواجهة، ورأب انقسامات الشارع المصري واصطفافاته السياسية الضيقة والمبعثرة، وتصفية المشروع الإخواني، ومحاربة السلفية والإرهاب، وأذرع الفاشية الأمريكية الجديدة كلها، مالم تجر ثورة حقيقية تستند إلى معالجة الملفين الأساسيين المذكورين أعلاه. ففي نهاية المطاف تبقى القطط السمان، ويبقى الدواعش، ومن خلفهم واشنطن و»تل أبيب»، وكل الأطراف الإقليمية المرتبطة بهما، متخوفون من مآلات الميل الموضوعي باتجاه نهوض داخلي وإقليمي مصري جدي، يلبي المصالح العميقة للشعب المصري، ومؤسسته العسكرية.