«كامب ديفيد» حقبة ماضية وتبدلات جديدة

«كامب ديفيد» حقبة ماضية وتبدلات جديدة

إن كان لقاء الرئيس الأمريكي السابق، فرانكلين روزفلت، مع الملك السعودي، عبد العزيز آل سعود، بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945، وما تلاه، قد أرسى نوعاً من العلاقة بين الطرفين، عكست في حينه حجم التقدم الأمريكي في العالم، فإن لقاء «كامب ديفيد» الأخير، قد ظهَّر عملياً التبدلات الحاصلة في تلك العلاقة، إثر التغيرات الجارية في الوزن الدولي للولايات المتحدة.

ما تزال محاكمة وسائل الإعلام الخليجية للتغيرات الإقليمية عالقةً عند شعارات «الخذلان والتقاعس» الأمريكي، و«انجرار» الولايات المتحدة لـ«التفاهم مع إيران على حساب الخليج». معاتباتٌ تأخذ على الولايات المتحدة تراجعها، دون فهم لأسباب هذا التراجع.


شروط اليوم أفضل من الغد

في اجتماع «كامب ديفيد»، رسم «المعلم» الأمريكي شيئاً من معالم واستراتيجية التعامل الأمريكي في المنطقة. ليست القضية، كما يتخيل الخليجي، انقلاباً مفاجئاً في مقاربة الأمريكي للملفات، بل هي نتيجة مباشرة للهزيمة السياسية التي تزامنت، بأحد أوجهها، مع الاحتفال بذكرى النصر على الفاشية، الذي شاركت بعرضه العسكري مجموعة من الدول الرافضة للهيمنة الأمريكية، كإعلانٍ عن إنشاء تحالف عسكري جديد عالمياً.
كل ما يحدث هو إذعان أمريكي، واعتراف قسري بالأوزان الدولية الجديدة ومحاولة للتأقلم معها، فإذا أصر الأمريكيون على مواقف متشددة، لن يحصلوا على شيء، لذلك فالتفاوض اليوم، وبشروط اليوم، أفضل من غد، لأن ما سيحصلون عليه غداً سيكون متناسباً مع حجمهم غداً..!


مقررات التراجع: «القبول» بالحلول السياسية

في البيان الختامي لمؤتمر «كامب ديفيد»، أقرَّ الجميع، ولو قولاً، بالحلول السياسية في اليمن وسورية، كونها مخارج وحيدة لحل الأزمتين. وعلى هذا الأساس، تبدو السياسة الأمريكية سائرة نحو محاولات لإعاقة الحلول السياسية، زمنياً، في الحد الأول، والتحكم بمخرجاتها في الحد الثاني.
على ذلك، لم يكن الدفع الأمريكي للسعودية باتجاه التدخل العسكري في اليمن، مقتصراً على أهداف يمنية فحسب، بل كان يستهدف في العمق فرض تغييرات على بنية النظام السعودي نفسه، بهدف دفعه للتكيف مع الضرورات الأمريكية الجديدة.


محاولات الرياض والاستشعار المبكر

بموازاة ذلك، خرج مؤتمر الرياض، المنعقد مؤخراً لبحث القضية اليمنية، بتوصيات حاولت السعودية فيها إعادة إحياء المبادرة الخليجية، كمرجعية للحل هناك، مع الإصرار على تقسيم اليمن، غير أن تركيبة المشاركين في مؤتمر الرياض، والتي ضمت من الجانب اليمني طرفاً تمثيلياً واحداً، لا حول له ولا قوة، تجعل من مقررات المؤتمر ثانوية.
غياب ملوك وأمراء وحكام أربع دول خليجية، السعودية والإمارات والكويت والبحرين، عن «كامب ديفيد»، ليس فقط لأن «الأمريكي ينسحب من ملفات المنطقة»، بل لاستشعارهم بأن الولايات المتحدة ستعمل على إنهاء المفعول القديم لأنظمتها، وخلق دور وظيفي من نوعٍ جديد نسبياً. ولهذا، فعلى الأغلب أن يشهد العالم قريباً مفاجآت كبرى فيما يخص أنظمة الخليج.