هل يقف العالم على أعتاب مغامرة فاشية جديدة؟
جاء الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو»، والأحداث التي جرت في فرنسا يومي السابع والثامن من كانون الثاني 2015، لتؤكد مرة أخرى أن استمرار الرأسمالية بحربها العالمية ضد الشعوب، عبر تبني الحل العسكري لأزماتها وانسداد الآفاق أمامها، فهل نحن أمام مغامرة فاشية في العالم؟
جرت في فرنسا، خلال العقد الماضي، ثلاثة أحداث شكلت محطات رئيسية للصراع الاجتماعي بشكله الحاد وهي:
1. انتفاضة المهمشين وأحياء الصفيح ضد الليبرالية الجديدة عام 2005، بعد مقتل شبان على يد الشرطة، والتي امتدت إلى كل المدن الفرنسية على مدى ثلاثة أسابيع وما تلاها من إعلان حالة الطوارئ وإحراق تسعة آلاف سيارة وعشرات المباني وإصابة العشرات في صفوف المنتفضين والشرطة، واعتقال المئات حكمت المحكمة على 400 منهم بتهم مختلفة.
2. معركة قانون عقد الوظيفة الأولى عام 2006، حيث استطاعت نقابات العمال والطلاب إسقاط مشروع قانون العمل الليبرالي الذي تقدمت به حكومة دوفيليبان بعد أربعة أشهر من المظاهرات التي شارك فيها أكثر من 4 مليون شخص.
3. إضرابات نقابات عمال النقل التي شلت حركة البلاد عام 2007.
قامت هذه الأحداث الثلاثة بتعرية «الديمقراطية» الغربية وسلَّطت الضوء على التفاوت الطبقي الرهيب في فرنسا التي تتفاخر بتقاليدها الديمقراطية وأكدت أن الديمقراطية لا يمكن عزلها عن محتواها الاجتماعي.
حصاد الليبرالية الفرنسية
من يزرع البؤس في بلاده سيحصد الغضب بالتأكيد، وهذا ما زرعته الليبرالية الجديدة في فرنسا بين عامي 1995–2005، حيث ظهرت أحياء الصفيح البائسة في كل المدن الكبرى. وقامت الحكومة الفرنسية بتجذير البرنامج الليبرالي بعد عام 2000، بعد خطة برلو الهادفة لزعزعة المجتمع، وبعد مفاقمتها لإلغاء حق العمل وقيامها بعقوبات وإجراءات رهيبة بحق المعطلين عن العمل أخذت الحكومة تساهم في المزايدات الأوروبية حول دفع ضرائب أقل.
وبإعادتها لشرائح جدول الضرائب على الدخل من سبع إلى خمس، وتخفيض النسبة الهامشية من 48.9% إلى 40%، وسقف كمية الضرائب المباشرة التي يدفعها المكلف الضريبي بنسبة 60% من الدخل تفاقم تحويل الثروات إلى الأثرياء.
هذا البرنامج توافق مع نزع الشرعية عن الإنفاق الحكومي على الخدمات غير السلعية لتوسيع الرأسمالية. وفي نظر الطبقات المهيمنة، نجح هذا البرنامج في مراكمة المزيد من الأموال وزيادة الثروات عبر ضريبة انخفضت إعادة توزيعها.
كما ارتفع منسوب سياسات التمييز العنصري والجور والتهميش والاستغلال بحق الطبقة المسحوقة، وظهرت 300 منطقة في ضواحي مدن فرنسا خلال ثلاثة عقود يقطنها أكثر من 10 ملايين من المهاجرين الفقراء والمهمشين، الذين لا يملكون شيئاً وهي أشبه بجزر خالية من الحياة، عززت الشرطة حواجز التفتيش حول أبنيتها ذات الارتفاع الموحش ثم جعلوا السكان يدافعون عن أنفسهم بأنفسهم.
في اليوم الثاني للأحداث الفرنسية، انطلقت وسائل الإعلام لترويج فكرة إصدار قوانين تمنع «الأعمال الإرهابية» في فرنسا تمهيداً لإعلان قانون طوارئ وحالة الأحكام العرفية- استباقاً للاحتجاجات الشعبية التي ستخرج ضد هذا الهجوم الجديد على الأحياء الفقيرة، وضد اقتران الليبرالية بالفاشية الجديدة. في اليوم الثاني صرحت بريطانيا أن الإرهابيين يتدفقون من سورية وحدثت تفجيرات لبنان، وإعلان اسبانيا عن وجود طرد غريب في نفق للقطارات، وارتفاع لهجة التصعيد ضد المهاجرين في الاتحاد الأوروبي. إذاً نحن نقف على أعتاب مغامرة جديدة للفاشية الجديدة التي يحركها رأس المال المأزوم.