إرهاصات معركة داخل جهاز الدولة المصري؟
اكتسب حدث إقالة رئيس المخابرات المصرية، اللواء فريد التهامي، وتعيين اللواء خالد فوزي بدلاً عنه أهمية خاصة، كونه يمثل أحد التغييرات غير المعتادة في مصر، ما يجعل أي تغيير في قمة هرمه إشارة على كسر ما محتمل في موازين القوى داخل جهاز الدولة.
مع إعلان قرار الإقالة وتعيين اللواء خالد فوزي رئيساً للمخابرات المصرية، تخبطت العديد من الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام في تفسير أسباب الإقالة والتعيين، وأضفى كل تيارٍ سياسي الأسباب التي تخدم رؤيته. إلا أن البحث في تفاصيل الحدث، وإجراء مقارنة سريعة بين الرجلين، يدلُّ على المعركة التي يخوضها جهاز الدولة ككل للتخلص من العناصر المؤثرة والمحسوبة على «الإخوان» وبقايا النظام السابق.
لماذا امتعضت «إسرائيل» من قرار الإقالة؟
في إحدى جلسات محاكمة الرئيس المخلوع، حسني مبارك، المتعلقة بقضية قتل المتظاهرين، أدلى اللواء التهامي بشهادته التي حوت بمضمونها إشارات دفاع واضحة عن المتهم، بالحديث عن «النوايا الطيبة» للرئيس السابق في التخلي عن منصبه لمصلحة البلاد!
وعلاوة على ذلك، وبجوابه على أحد الأسئلة في الجلسة نفسها، يجيب التهامي على سؤال القاضي المتعلق بزيارة كل من جون ماكين وجون كيري لشركة «حياة غازان» وعلاقتها بالزجاجات الحارقة التي كانت تلقى في أحداث 25 يناير، فيجيب التهامي بتبرئة الشركة ويتساءل: «هل لدى كيري أي اتجاهات معينة تتناقض مع أي خير لمصر؟»
التهامي هذا هو أحد ضباط الاتصال بين القاهرة وتل أبيب، وهو ما يفسر المخاوف «الإسرائيلية» من التغييرات التي طالت جهاز الاستخبارات العامة. أما الخوف من تعيين اللواء فوزي بالتحديد، فيأتي من كونه أحد ضباط المخابرات المسؤولين عن قضية القبض على الجاسوس الصهيوني، إيلان جرابيل.
يعد اللواء خالد فوزي من الشخصيات التي وقفت في وجه محاولات تغلغل «الإخوان» داخل أجهزة الأمن القومي والمخابرات العامة أثناء فترة حكم التنظيم لمصر، حتى وصل الأمر إلى وضعه على قائمة الاعتقالات الخاصة بالإخوان إبان موجة الحراك الشعبي الثانية في 30 يونيو. يطلق البعض على فوزي لقب «ابن البلد» لابتعاده عن الرسميات، واطلاعه على قضايا اجتماعية بشكل مباشر.
هل بدأ التغيير؟
وبعيداً عن «شخصنة» الوضع في مصر، ففي المرحلة الأولى من حكم الرئيس السيسي، كانت التغييرات ضمن جهاز الدولة المصري تعاني من البطء الشديد لاعتبارات عديدة، تلتها موجة من تصعيد المعركة داخل جهاز الدولة طالت نيرانها مراكز مهمة كالمصارف، بعد قرار الحكومة بوضع حد أقصى لأجور العاملين في قطاعات الدولة، بما فيها قطاعا النفط والمصارف، والمحدد بـ42 ألف جنيه شهرياً، واليوم، يأتي قرار إقالة التهامي ليمثل ضربة جديدة لبقايا النظام السابق داخل جهاز الدولة.
إن حجم التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها مصر في هذه المرحلة من تاريخها، تقتضي تغيرات بالمعنى الجذري، على أساس مشروع واضح يزيل العراقيل داخل جهاز الدولة كمهمة تعترض المضي في أي حلول بالمعنى الاقتصادي– الاجتماعي والوطني. وعليه فإن التغييرات الجارية تطرح أسئلة جوهرية حول طبيعة هذه التغيرات واتجاهاتها، فهل بدأ التغيير الحقيقي داخل جهاز الدولة؟