اختارت اليسار: نظرة على البرازيل بعد الانتخابات
حُسمت المعركة الانتخابية البرازيلية بين ممثلة حزب العمال البرازيلي، ديلما روسيف، وممثل اليمين، آسيو نيفيس. لتظهر نتائج الانتخابات التي جرت أواخر الشهر الماضي تقدم مرشحة اليسار بنسبة 51.45%. لتنفتح أمام روسيف مهامٌ عدة تبيَّن أن اليمين البرازيلي لم يفقد كل أدواته لعرقلة إنجازها.
بمواجهة التقدم اليساري، يملك اليمين البرازيلي أداتي ضغط، على الأقل، لعرقلة خطط الرئيسة اليسارية ومنع تنفيذها. ففيما يحتفظ اليمين بورقة الكونغرس البرازيلي الذي يسيطر فيه على نسبة تزيد عن 56%، تلوِّح قوى اليمين بورقة أكثر أهمية وأشد ضغطاً، وهي إمكانية خوض الصراع داخل البرازيل لفصل بعض الولايات عن الفدرالية البرازيلية. وبهذا الصدد، يستغل اليمين سياسة روسيف الساعية إلى زيادة الدعم الحكومي للسلع الضرورية، لإقناع سكان ولاية ميناس جيراس- والتي تعد أكثر الولايات ثراءً- بالانفصال عن الفدرالية التي تضم 26 ولاية.
روسيف: لتجنب معركة مع اليمين
في حديثها بعد نجاحها بالانتخابات، أكدت روسيف أن أولويات الرئاسة البرازيلية بعد الانتخابات تتمثل في الإصلاح السياسي، والتعاون مع الكونغرس الذي يسيطر عليه اليمين «لإنجاز التغييرات التي تتطلبها الفدرالية البرازيلية». حيث يؤكد كلام روسيف سعيها إلى عدم خوض معركة سياسية واسعة مع اليمين البرازيلي، ولجوئها إلى إيجاد التقاطعات الكفيلة بإنجاز الحد الأدنى من برنامجها السياسي. ويأتي كلامها متوافقاً مع التحليلات السياسية القائلة بعدم نجاعة فتح المعركة مع اليمين في وقت يسيطر فيه على الكونغرس ويمسك فيه بمفاصل اتخاذ القرار الأساسية في عددٍ من الولايات الاتحادية.
بين خيار القطع التام مع اليمين البرازيلي- وما سيرافق ذلك من تبعات سلبية على البرازيل ناتجة عن ردة الفعل اليمينية- وخيار الذهاب نحو استرضاء اليمين وتقديم التنازلات الاقتصادية له- وما سينتج عن ذلك من ردة فعل شعبية ناقمة على هذا الخيار الذي من شأنه أن يؤجل مشاريع الدعم الحكومي والحد من الفقر- تبحث روسيف عن «خيار ثالث» أقل تكلفة، يحافظ على الهدف الاستراتيجي ويفتح احتمالات أوسع أمام التكتيك.
هل ثمة خيار ثالث؟
في سياق البحث عن ذلك «الخيار الثالث»، تدعو بعض التحليلات السياسية والاقتصادية الحكومة البرازيلية إلى انتهاج سياسة استيعاب اليمين الاقتصادي، وذلك عبر استمالة رؤوس الأموال البرازيلية المحلية، وانخراطها في التوجه الاقتصادي نحو الشرق «محور بريكس» عبر توسيع مشاركة رؤوس الأموال المحلية هذه بعملية الاندماج الاقتصادي في المشاريع والمؤسسات المنبثقة عن تحالف «بريكس»، مما سيساهم في ارتفاع مستوى النمو واستفادة البرازيل من الشروط غير المجحفة لمؤسسات «بريكس»، فضلاً عن إنجاز عملية فرز لتبيان رأس المال البرازيلي المرتبط بالمركز الإمبريالي بشكل مباشر، ورأس المال المحلي الذي من الممكن أن يلعب دوراً إنمائياً من دون فرض شروط التبعية الاقتصادية لرأس المال العالمي، مما يسهل فتح المعركة لاحقاً بوجه رأس المال المرتبط إمبريالياً عبر الاستفادة من فك ارتباطه برأس المال المحلي القابل للعب دور مرحلي إلى جانب الدولة البرازيلية الساعية إلى عدم التنازل عن خططها الهادفة إلى التقليل من حجم الفقر وزيادة النمو في آن واحد.
ويبدو الطرح السابق حاضراً لدى روسيف التي دعت في كلمتها الأخيرة إلى إلغاء الانقسام الحاد في المجتمع البرازيلي، والعمل على إنجاز حالة من التوافق من شأنها أن تخفف من وطأة الانقسامات بين مؤيدي اليسار ومؤيدي اليمين في البرازيل.
غير أنه في حقيقة الأمر، أقصى ما يستطيع أن يحققه اللجوء إلى الطرح آنف الذكر هو تأجيل المعركة وليس انتهاءها، حيث من الممكن أن يعول على هذا الخيار مرحلياً لتجنب فتح معركة سياسية في وقتٍ لا يزال اليمين فيه يتحكم بعددٍ من الأوراق الهامة. إلا أن التعويل على إمكانية أن يحقق هذا الخيار حالة من التوازن الدائم بين مصالح الفئات الشعبية ومصالح رأس المال، يتجاهل حجم الهوة والفارق بين المصلحتين. ولا سيما أن عملية تحقيق هذا التوازن كانت قد جربت عام 2013 في البرازيل، لكن تأهب قوى اليمين الرأسمالي المسيطر على الكونغرس البرازيلي منع روسيف من إجراء استفتاء عام على الإصلاح السياسي بعد سلسلة من الاحتجاجات الشعبية. ما يؤكد أن السقف المطلوب برازيلياً: «عدالة اجتماعية ونمو عال»، لا بد لتحقيقه من فتح معركة واسعة لاستعادة الدور السيادي الكامل للدولة. حيث تشارك البرازيل دول بريكس في ضرورة إجراء تحول جذري في اقتصاد دول هذا المحور بعيداً عن النمط الرأسمالي المأزوم. حيث لا استراتيجية ثالثة بين المصالح الشعبية ومصالح رأس المال.