الانتخابات التشريعية التونسية... نظرة على البرامج الانتخابية
تتنافس 1372 قائمة انتخابية في الانتخابات التشريعية التونسية المقبلة، موزعة في 27 دائرة انتخابية داخل البلاد، وتشير استطلاعات الرأي الأولية إلى انحسار المنافسة بين الحزب الحاكم، حركة «النهضة»، وحركة «نداء تونس» التي تضم بشكلٍ أساسي مسؤولي النظام المخلوع بعد انتفاضة2011، بالإضافة إلى قائمة «الجبهة الشعبية» المتضمنة 11 حزباً وتجمعاً يسارياً وقومياً.
تجري المناظرات الإعلامية بشكل غير مباشر غالباً، بين «النهضة» و«النداء» كأطراف رئيسية للصراع السياسي، بعيداً عن نقاش البرامج الانتخابية التي تم عرضها فعلياً من قبل الحزبين، لسببين أساسيين، أولهما التشابه الكبير بين البرنامجين من حيث المحاور الأساسية المطروحة وحتى صيغ «الحلول» المطلوبة، والثاني اقتصار البرامج المذكورة على العناوين العريضة والفرعية الكثيرة، دون الخوض في تفاصيل الحلول المطروحة وتحديداً في أعقد الملفات، كملف البطالة والموقف الوطني من قضايا المنطقة.
«النهضة والنداء»: البرامج المتماثلة
يكتسب الحزبان بالجوهر هوية اقتصادية ليبرالية، دون أي حرج في طرح الاعتماد على الاستثمارات الخارجية مصدراً لحل المشاكل الداخلية، حيث وضعت «النهضة» في متن برنامجها الانتخابي خيار اقتصاد السوق الاجتماعي كخيار اقتصادي استراتيجي، قوامه التوفيق بين المنافسة «الشريفة» والتوازن الاجتماعي، بالإضافة إلى «التركيز على ضرورة إدماج نوعي للاقتصاد الوطني في الاقتصاد العالمي. والذي يتيح فرص استثمارية قوية عبر تقليص الأنشطة الخاضعة للترخيص إلى الحدود الدنيا، مع المحافظة على المصالح الاستراتيجية للبلاد، وتحصيل موقع مميز مع الاتحاد الأوروبي».
كما يشير البرنامج النهضوي، بشكل موارب، إلى سحب الدعم عن المواد الأساسية وهو ما بدأه فعلياً بعد إدارته البلاد منذ 2011، وذلك تحت حجة ترشيد الدعم، «يبلغ الدعم المباشر وغير المباشر مستويات مرتفعة إذ يصل حالياً مليار دينار، ما يعادل 7% من الدخل المحلي، ويمثل دعم المحروقات الجزء الأكبر منه».
بالمقابل، يبدو برنامج «النداء» أكثر ضبابية في صياغته التي اقتصرت على عناوين فضفاضة تساعد على تفنيد المشاكل الهائلة، أكثر من عرضها لحلول جديدة مقنعة، وتبقى الأشهر الثمانية التي قضاها رئيسه، الباجي قائد السبسي، كافية لتعطي الإشارات الأوضح عن مضمون البرنامج الانتخابي، والتي أمضاها السبسي مستعيناً بالهبات والقروض الخارجية، إضافة إلى إجراءات ترقيعية كمنحة البطالة، ورفع الأجور دون ضبط للأسعار لتبقى رؤيته السياسية رهينة المنطق القديم في التعامل مع أزمات البلاد المتراكمة.
«الشعبية» وبرنامج لجم الكارثة
تطرح «الجبهة الشعبية» برنامجها الانتخابي المطوّل، في محاولة للإجابة على الأسئلة المطروحة شعبياً في القضايا الاقتصادية- الاجتماعية والوطنية، وإن بدا سقف التعهدات عالياً، ما يفسر إغلاق المنافذ الإعلامية بوجه الجبهة في هذه المرحلة من الحياة السياسية، فإن الخطوط العريضة التي وضعتها الجبهة تعد في الآجال المتوسطة ممراً إلزامياً يحكم خروج تونس من أزمتها.
ويرتكز البرنامج الجبهوي في أهم مفاصله على قضية التوجه الاقتصادي، ليؤكد على «القطع مع الارتهان الكلي للأسواق الأوروبية والتوجه إلى الأسواق العربية عموماً، والمغاربية خصوصاً، وفتح آفاق العمق الأفريقي وأسواق آسيا وأمريكا اللاتينية، وتوفير حد أدنى من الحماية للصناعة الوطنية ضد كل أشكال المنافسة الخارجية غير المتكافئة»، إضافة إلى التركيز على دور الدولة الذي أخذ حيزاً كبيراً في البرنامج، وذلك بإجراءات جذرية كالتدقيق في كافة عمليات الخصخصة منذ عام 1182، ومنع خصخصة المؤسسات العمومية في القطاعات الاستراتيجية، و التأكيد على مبدأً الضريبة التصاعدية على الدخل.
وعلى الصعيد الوطني، تعرض الجبهة موقفها الثابت من القضية الفلسطينية: «دعم الشعب العربي الفلسطيني في مقاومته الباسلة، وكفاحه المسلح من أجل التحرر الوطني»، وفي رؤية المشهد الإقليمي والدولي «بناء علاقات إقليمية ودولية جديدة تؤسس لنظام دولي جديد».