«فيرغسون»: أنين المهمشين الصارخ في معقل الرأسمالية!
فجأة التقطت عدسات الكاميرا مئات المحتجين في مدينة «فيرغسون» التابعة لمقاطعة سانت لويس في ولاية ميزوري وسط الولايات المتحدة الأمريكية. التقطت الكاميرا قيام ضباط من الشرطة الأمريكية بقتل «كاجيمي باول» البالغ من العمر 25 عاماً، وذلك بعد عشرة أيام على الاحتجاجات التي ضربت المدينة إثر مقتل شاب «أسود» آخر يدعي «مايكل براون»، 18 عاماً، على يد شرطة الولاية أيضاً، فثار لأجله المئات من أبناء «لونه/طائفته». ومع أن هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها إلا أن ردة فعل السلطات على هذه الاحتجاجات التي استدعت تدخل قوات الحرس الوطني أثار استهجاناً كبيراً.
لا ينكر أحد أن الدولة صاحبة الاقتصاد الأكبر في العالم تعاني أكبر أزماتها الاقتصادية منذ تاريخ إنشائها، وأن أزمتها الاقتصادية الداخلية هي أحد أكبر العوامل التي تقض مضجع ساستها طالما أن النموذج الرأسمالي التي تعد الولايات المتحدة مركزه الرئيسي دخل في أزمة حادة مستمرة ومتعمقة منذ عام 2008.
التردي الاقتصادي
منذ ذلك التاريخ ينبغي النظر للولايات المتحدة برؤية مختلفة، فالدولة التي لم تستعد التعافي الاقتصادي بعد، تنضح جملة من التناقضات الهيكلية الرهيبة، والتي يبرز على السطح منها قضية التفاوت الاجتماعي، حيث يملك 1% الأغنى ثروة تعادل جل ما يملكه الـ 90% الأفقر، كما أن 46 مليون شخص مازالوا يعيشون تحت خط الفقر ويحتاجون إلى مساعدات غذائية ونصف هؤلاء يعيشون في الضواحي الفقيرة كضاحية فيرغسون.
مدينة فيرغوسن مسرح الأحداث اليوم تجلٍ صارخ لهذه التناقضات، فرغم أن ولاية ميزوري التي تتبع لها المدينة من أغنى الولايات في أمريكا، إلا أن هذه الضاحية تعاني فقراً كبيراً مقارنة بباقي مدن وضواحي الولاية. ووفقاً للواشنطن بوست ارتفع معدل البطالة فيها من 5% عام 2000 إلى 13% أواخر عام 2010، كما تضاعف عدد الفقراء منذ عام 2000 حتى عام 2012 وبات ربع السكان تحت خط الفقر الاتحادي البالغ 24 ألف دولار للعائلة المكونة من 4 أشخاص. تركز الفقر أكثر في مدينة فيرغسون، وترافق هذا التركز مع تغير هائل في ديمغرافيتها، حيث بات 67% من سكانها من أصحاب «البشرة السوداء» مقابل 15% لـ«ذوي البشرة البيضاء» الذين شكلوا 85% من سكان المدينة عام 1985 مقابل 12% للسكان ذوي «البشرة السوداء» في حينه، وتشكل نسبة البطالة بين «السود» 47% بينما تبلغ 16% فقط بين «البيض».
«ديمقراطية»؟!
عرت الأحداث في فيرغسون الكثير من القضايا، ففجأة ظهر المجتمع الأكثر «حداثة» و«ديمقراطية»، قمة في العنصرية ليعبر عن أزمة ما في التعايش والمساواة بين الأعراق والإثنيات في الولايات المتحدة. كما أظهر نظام الولايات المتحدة «الديمقراطي» قمعاً فجاً للمظاهرات، فاعتقل 47 شخصاً منهم صحفيون، ناهيك عن أن مقتل شابين على أيدي ضباط الشرطة في الولاية والذي تكرر لعدة مرات سابقاً يعكس تقاليد عنصرية وقمعية في صلب المؤسسات الأمريكية.
لم يتورع النظام الأمريكي الذي اعتاد استخدام «القمع الذكي» إن صح التعبير، في استخدام القمع الدموي الذي تشهده جل البلدان الطرفية، ما يعني أن الروادع الأخلاقية والمبدئية ضد القمع غير موجودة في المركز «الديمقراطي» الأبرز، وما يعني أيضاً أن أسلوب «القمع الذكي» التقليدي بات عاجزاً أمام تطورات الأزمة الإجتماعية. والدليل على ذلك تصاعد الإنفاق الأمريكي على قطاع الشرطة والأمن الداخلي، حيث تضاعف إنفاق الولايات المتحدة على الشرطة منذ عام 1980 وحتى عام 2007 بمعدل 445%، بينما تضاعف الإنفاق على التعليم بمعدل 392% فقط للفترة نفسها. ورغم انخفاض عدد السكان إلا أن الولايات المتحدة تملك أكبر معدل سجن في العالم (0,743)% ولديها 25% من المسجونين في العالم بينما يبلغ عدد سكانها 5% من العالم فقط!!.
لقد عكست الأحداث وطريقة التعاطي معها حتى اللحظة تجلياً داخلياً لأزمة النظام السياسي الاقتصادي- الاجتماعي في الولايات المتحدة، وإن ظلت آنياً محدودة الانتشار إلا أنها أعطت مؤشراً هاماً على بعد جديد في أزمة المركز الإمبريالي الأهم وذلك بالتحول من الأزمة الاقتصادية إلى بداءات الأزمة الاجتماعية، فماذا بعد؟!.