العراق باق وأعمار «الدواعش» قصار
اليوم، وبعد خراب البصرة, واحتلال الموصل وتكريت وإعلان «الخلافة» على يد رجل استخبارات عسكرية في النظام الساقط بالاحتلال, والذي أطلق سراحه من سجن بوكا الأمريكي عام 2006، والخاضع مع مجموعة من العملاء لدورات تدريبة خاصة في الكيان الصهيوني, تكشفت خيوط المؤامرة التي اشتركت تركيا والسعودية وقطر والأردن في الإعداد لها، بإشراف صهيوني مباشر.
كانت أداة التنفيذ مجموعات إجرامية ناشطة في الموصل والمنطقة الغربية، وشكلَّ إرهابيو «داعش» رأس حربتها، ناهيكم عن تواطئ القوى العنصرية والطائفية معها. وكان الطابور الخامس من الكتَّاب مدفوعي الثمن جاهزاً لبث روح الهزيمة في صفوف الجيش والشعب وإرهاب المجتمع, كتَّاب من مختلف الأصول الفكرية كانوا قد خانوا الوطن والتحقوا بجيش الاحتلال الأمريكي عشية احتلال العراق 2003, وأسسوا، بتمويل منه، الصحف ومراكز الأبحاث في بغداد وأربيل وبيروت. أخذوا يستعدون لـ «دفن» العراق لصالح توسيع الاقطاعيات العنصرية الطائفية, التي توهمت حالة «الدولة- الإمارة» على بئر نفط يصدر مباشرة للحامي- الكيان الصهيوني- والتسويق بواسطته.
نعم إن العراق الجريح المغدور يمر في لحظة وجودية, لكنه لايزال حياً وسيبقى مدى الدهر, فها هو يضمد الجراح ويستعيد زمام المبادرة بتضحية أبنائه الذين تنادوا من أجل إنقاذه ضد الهجمة الهولاكوية الجديدة.
وفي خضم مخاض الألم، ولدت جبهة ثقافية إعلامية وسياسية وطنية تطوعية تصدت لجبهة الخونة المأجورين بكل جدارة، وحشرتهم في بؤر الارتزاق النتنة. كما تنادت عشائر الموصل والمنطقة الغربية، مدعومة من عشائر الوسط والجنوب، لاستعادة مشهد ثورة العشرين الوطنية المتوجة بثورة 14 تموز 1958 الوطنية التحررية, يساندها صوت كردي يعتز بكرديته قدر اعتزازه بوطنيته العراقية، رافضاً لوهم التعويل على دعم الكيان الصهيوني المغتصب, رافعين شعار التآخي التاريخي.
نحن نشهد تفجر الطاقات الشعبية الكامنة التي توهم الأعداء الدوليين والإقليميين والمحليين أنها نفذت في عقود من الحروب والحصار والجوع والاحتلال والإرهاب. فالجبهة الشعبية الوطنية العراقية، المعبرة عن الإرادة الشعبية في الحرية والتقدم قد ولدت ولادة ذاتية وموضوعية وفق قوانين الصراع الطبقي والوطني، ولا راد لها مهما كانت امكانيات العدو.
كنا ولا نزال نؤمن من أن الانتفاضة الشعبية آتية لا محال, وها نحن نشهد تطور الاحتجاجات المطلبية باتجاه المطالب السياسية الوطنية, خصوصاً بعد المشهد البائس الذي قدمه ما يسمى بالبرلمان العراقي (الذي يذكرنا بمشهد الجمعية الوطنية عام 2005 المنشغلة بتشريع قوانين الامتيازات في وقت يعاني فيه الشعب من مقدمات فتنة طائفية دموية), ها هم نواب أنفسهم يختلفون على كل شيء، دون الإشارة إلى ضياع الموصل، ليتفقوا في الأمر الوحيد الذي لم يختلفوا عليه, التوجه إلى بنك البرلمان لاستلام الرواتب والمخصصات ...الخ.
ولا يمكن لهذه الانتفاضة أن تنتصر دون تحرك «الدينامو», أي الطبقة العاملة العراقية ونواتها عمال النفط. لقد ارتد سلاح توظيف تنوع أطياف الشعب العراقي لتدمير العراق على حملته، من المتاجرين بالشعارات العنصرية والطائفية، وانطلق المخزون الحضاري والاجتماعي والوطني للتعايش في وطن ناضل أبناؤه وقدموا الدماء الزكية من أجل أن يكون حراً. مما أثار إعجاب الشعوب المحبة للسلام وتضامن الدول الصديقة معه، وفي المقدمة منها روسيا والصين والذي تمثَّل بالدعم العسكري والسياسي والدبلوماسي.
نعلن بوضوح كيسار وطني عراقي، لم يتلوث ببدعة «الديمقراطية الأمريكية», يسار تمتد جذوره عميقاً في التربة العراقية الخصبة المعطاء, بأن من يقف مع الوطن أيا كان فنحن معه، ومن يقف في خندق تقسيم العراق أيا كان فنحن ضده.. ففي كل معركة تاريخية خندقان لا ثالث لهما: خندق الدفاع عن الوطن، وخندق المعتدي واتباعه من الخونة والعملاء، وما بينهما جحر للانتهازيين والجبناء. وشعارنا الجامع في معركة الوطن التاريخية: العراق باقٍ وأعمار «الدواعش» قصار.