في مديح «الأمريكي»..!
في سباق محموم في الفترة الأخيرة، بدأت موجة مما يبدو للوهلة الأولى تغيراً في مواقف العديد من الأطراف المرتبطة عضوياً بالأزمة السورية تجاه الولايات المتحدة تحديداً، وتنطلق كل هذه المواقف من ثقة عمياء بالسياسة الأمريكية ناجمة عن مصالح عضوية عميقة تاريخية معها.
تراوحت هذه التغيرات التي تسير في اتجاه واحد بالطبع، بين عتب الأحبة، «ما هيك كان أملي فيك»، وتصريح من عدم القدرة على فهم «تناقضات وتبدلات» موقف «الأمريكان»، ومقارنات بين مواقف الأميركان ومواقف الأوروبيين من أجل الوصول إلى استنتاج مفاده أن مواقف «الأمريكان» أكثر توازناً و«حناناً» تجاه سورية، إلى الارتماء الأعمى في حضن البابا الأمريكي الذي نخشى من أن يزيل غطاء رعايته الأبوية عنا فنضيع في هذا العالم «المتوحش».
موازين القوى المخيفة
بتصاعد الأزمة العالمية الحالية للرأسمالية، ووضوح التغيرات في توازن القوى العالمي، ورغم كون هذه التغيرات غير ملحوظة في المقاييس الزمنية الصغيرة كالأشهر والأيام، إلا أنها باتت واضحة للقاصي والداني بسبب تسارعها في السنوات الثلاث الأخيرة، أخذ العديد من القوى التي تربت تاريخياً في كنف الرأسمالية الأمريكية، تشعر بنوع من إزالة الغطاء عنها، وتبدو التغيرات العالمية في موازين القوى مخيفة جداً، حيث أن الثقة بالرأسمالية الأوروبية تبدو أصعب يوماً بعد يوم، نظراً لضعفها الواضح من خلال أزمتها الاقتصادية التي تعصف بالبلدان الأوروبية واحداً تلو الآخر، ونظراً لمواقفها التي لا يمكن تغطيتها بالغربال، ومازالت رأسمالية البريكس في نظر هؤلاء غضة لا يمكن الوثوق بها بعد، بالإضافة إلى أنها ما زالت مشوبة بشوائب توحي بالاشتراكية في تاريخها القريب، فما هو الحل في هذا الشواش؟، نتكلم هنا طبعاً بلغة من يعيش هذه الصراعات الداخلية في ظل التغيرات.
هل يفوتنا القطار؟
قد كانت التطورات الأخيرة في ملف العلاقات الإيرانية الأمريكية، سبباً أساسياً في إثارة غيرة هؤلاء من أن يفوتهم القطار الأمريكي، -متناسين طبعاً أن طبيعة العلاقات هناك مختلفة، بل هي انعكاس حقيقي لتزايد دور إيران الإقليمي، وليس من قبيل اللهاث وراء الرضا الأمريكي-وباتت النداءات ب«المرونة» في التعامل مع الأمريكي هي الطاغية على المشهد، حيث ينشغل البعض بـ«احتمال المساومة الايرانية مع الامريكين على مستقبل سورية»، ويراهنون على تدهور العلاقات الأمريكية –الإسرائيلية، من أجل كسب الرضا الأمريكي.
أنظمة الاستشعار
تترافق هذه السباقات مع محاولات أمريكية من تحت الطاولة تهدف إلى جس النبض، وهي محاولات لم تتوقف لا قبل الأزمة السورية ولا خلالها، لكنها كانت أكثر سرية مما هي عليه الآن، وهذه المحاولات لا تلغي بالطبع دور جس النبض الدائم الذي تقوم به بعض القوى الداخلية المختبئة تحت العباءة من أجل استشعار أي تغير إيجابي في العواطف تجاه الأمريكان، بل ومحاولة تغيير هذه العواطف بما يخدم هذا التغيير الإيجابي، فالولايات المتحدة رغم اضطرارها الصارخ إلى التعبير عن مصالحها بالطريقة العسكرية، لا تستطيع التخلي عن محاولات إبقاء موطئ قدم لها في المنطقة عبر العلاقات الاقتصادية و«الثقافية».
ومن اللافت للنظر والمعزز لفكرة الثنائية الثانوية في الصراع السوري، كون هؤلاء المدّاحين موجودين في طرفي الصراع.