(داعش): مناورة أمريكية - سعودية لاستدراج إيران!
شهد العام الماضي تغيرات دولية وإقليمية هامة، كان أبرزها التراجع الغربي في الملف النووي الإيراني والذي يخطو اليوم بتثاقل إلى نهاياته. في وقت لاحق زار أوباما السعودية وطلب منها الانفتاح على إيران!.
بعد جملة تغييرات في الأسرة السعودية الحاكمة منذ أسابيع، أعلنت المملكة استعدادها لاستقبال وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، كما زار أمير الكويت طهران زيارة وصفت بالتاريخية.
في خضم كل ذلك جاء الاجتياح الفاشي لتنظيم «داعش» مدينة الموصل العراقية، مستبيحة كل الخطوط الحمراء، فقتلت وشردت مئات الآلاف خلال ساعات، وهددت بتدمير مقامات دينية وبعباراتها الطائفية المعروفة. هذا التطور الدراماتيكي اتبعته الإدارة الأمريكية بالحديث عن احتمالات تدخل حدها الأدنى استخدام طائرات من دون طيار.
فلنتذكر مشروع “الشرق الأوسط الجديد”
لا يستطيع أحد أن ينكر الترابط العضوي بين تنظيم «داعش» والمملكة السعودية ومن خلفها الولايات المتحدة، لكن السؤال ما الذي تريده الولايات المتحدة الآن من دفع هذه القوى الفاشية لواجهة المشهد العراقي؟ ففي الوقت الذي تفترض دعواتها للتسوية الإيرانية-السعودية وتنازلاتها في الملف النووي الإيراني أن تسعى لتهدئة ما في العراق، تقوم الولايات المتحدة برمي كرة اللهب الفاشية لإحراق المنطقة وتوتير الفالق «السني»- «الشيعي».
يتذكر الجميع أن مشروع الشرق الأوسط الجديد التي جاءت به كوندوليزا رايس بعد الغزو الأمريكي للعراق، قام على تقسيم العراق وأجزاء من سورية على أسس طائفية ومذهبية، ولا يخرج السلوك الأمريكي اليوم عن ذلك رغم التراجعات الأمريكية الملحوظة ودعواته لتسويات سياسية في الملف النووي الإيراني وإعلانه الوقوف إلى جانب حرب العراق على الإرهاب ونصائحه لدول الخليج بـ»التصالح» مع إيران، ولكن كل مافي الأمر أنها أدخلت تطويراً على تكتيكات التنفيذ.
التكتيك الأمريكي: تنظيم التراجع
لم تعد الولايات المتحدة قادرة على تنفيذ مخطط «الشرق الأوسط الجديد» بأدواتها التقليدية طالما أنها في تراجع مستمر، ويقوم التكتيك الأمريكي اليوم على فكرة تنظيم تراجعه عبر معركة كسب الوقت واستدراج الخصم لإنهاكه إلى حين تحسن الظروف الأمريكية.
تدفع الولايات المتحدة القوى الفاشية لاستفزاز الخصم الإيراني واستدراجه إلى إحداثيات معركة قامت بتصميمها لعقود. في الوقت ذاته ومع استنزاف الخصم فيما لو تورط أم لا، تدفع الإدارة الأمريكية للدخول في مفاوضات سياسية طويلة، وتغري الخصم بوهم ضعفها الشديد وتكسب المزيد من الوقت، كما تسلح مفاوضيها بورقة الضغط على الإيراني، وهي فزاعة «داعش» التي باتت تسيطر على مناطق نفوذ في الأرض العراقية، بعد أن تم تسهيل سيطرتها على العديد من المناطق السورية المحاذية للعراق. وبذلك تكون الولايات المتحدة قد ضمنت أحد الأمرين، فإما جرجرة إيران إلى المستنقع العراقي وإنهاك الخصم، أو وضع ورقة “داعش” للضغط على إيران في طاولة التفاوض السعودي الإيراني اللاحق وكسب مزيد من الوقت، كما أن باب التدخل الأمريكي بحجة مساعدة العراق في حربه على الإرهاب أُعيد طرقه بقوة.
يتشابه هذا التكتيك الأمريكي في منطقتنا مع ما حدث في أوكرانيا في محاولة لاستفزاز الروس واستدراجهم للمستنقع الأوكراني، فرد الروس بالعمل على تحصين جبهتهم الداخلية، وعدم الإنجرار وحصارالأدوات الغربية في الملفات الأخرى، ما جعل الأدوات الغربية تتخبط فيما بينها، فالوقت يسير بعكس مصالح الغرب.