فرنسا تختار طريق التقشف
سالم لاماراني سالم لاماراني

فرنسا تختار طريق التقشف

مع انتخاب الاشتراكي فرنسوا هولاند لرئاسة الجمهورية، و بعيداً عن الانقطاع عن نموذج الليبرالية الجديدة التي أودت بجزء كبير من بلدان أوروبا للوصول إلى الكارثة، فإن فرنسا اختارت طريق التقشف.

إن سياسات التقشف التي يروج لها الاتحاد الأوروبي و على رأسها الألمانية آنجيلا ميركل، إضافة إلى صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي قد وصلت إلى طريق مسدودة . وهي الان غير شعبية سياسياً ، وغير فعالة اقتصادياً و كارثية على المجتمع.

تفشل هذه السياسات في جميع البلدان التي تطبق فيها، و ذلك بسبب ارتفاع نسبة الفقر و البطالة ، و تزايد الديون العامة ،و تفكيك دولة الرفاهية الاجتماعية، و ذلك بتدمير الخدمات العامة و الانخفاض الحاد في إيرادات الدولة.

إن انتخاب فرانسوا هولاند لرئاسة الجمهورية في أيار 2012  ، أعطى بعض الأمل للمواطنين الفرنسيين بتعديل سياسات التقشف. و لكن بعيداً عن زيادة الحد الأدنى للأجور بشكل ملحوظ و تطوير الاستثمار العام ( أي التدابير التي من شأنها أن تحفز النمو الاقتصادي)، فإن حكومة رئيس الوزراء جان مارك ايورت قد سعت لتنفيذ التعليمات التي أثبتت عدم فعاليتها في كل أوروبا ، وذلك مع اعتماد اتفاقية القدرة التنافسية التي أوصى بها تقرير جالوا .

اتفاقية القدرة التنافسية في تقرير جالوا.

في الواقع ، الحكومة قررت اضافة التدابير التي دعا إليها لويس جالوا ، المفوض العام للاستثمارات ،التي تسمح بحسب رأيه بتحسن القدرة التنافسية للشركات الفرنسة بالوصول إلى مستوى عالمي و تنشيط الاقتصاد ، وخلق فرص العمل .

اختار الرئيس الفرنسي خفض الضرائب على الشركات من خلال إعفائها ضريبياً من 20 مليار يورو . و لهذا اعتمد  قصر الإيليزيه خفض الإنفاق العام ب 10 مليار يورو كخطوة أولى، وهذا يعني أن الخدمات العامة ستكون متاحة للمواطنين الفرنسيين، و التي لها تأثير مباشر على نوعية حياة الناس الأشد فقراً.

الإجراء الثاني ، كان الأقل شعبية ، حيث أن هولاند رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة ، متناسياً وعود حملته الانتخابية .

في الواقع ، إن الرئيس السابق نيكولا ساركوزي رفع معدلات ضريبة القيمة المضافة المختلفة، فالمعدل الوسطي تغير من 5 % إلى 7% ، و المعدل العام من 19,6%  إلى 21,4%. إن هذا المعدل مثل زيادة في مبلغ ضريبة القيمة المضافة ب 10,600 مليار يورو على المواطنين .

كان إلغاء زيادة معدل ضريبة القيمة المضافة في تموز 2012 ، واحدة من أوائل الاجراءات التي اتخذتها الجمعية الوطنية، لكن بعد 3 أشهر ، بدلت الحكومة «الاشتراكية» رأيها و رفعت معدلات ضريبة القيمة المضافة الأساسية .

ومع بلوغ 1 كانون الثاني 2014 ، فإن المعدل العام سوف يزيد من 19,6%  إلى 20%. أما المعدل الوسطي فسيزداد من 7% إلى 10% ، بينما سينخفض المعدل الأدنى من 5،5% إلى 5% ..

تمثل هذه الإجراءات ارتفاع الضرائب على الفرنسيين إلى 7 مليار يورو  وستؤثر بشكل خاص على طبقات الشعب العامة.

إن ضريبة القيمة المضافة الجديدة هذه في الواقع، تمثل انخفاضاً في القدرة الشرائية ل 260 يورو للشخص في السنة، أي 25% من الحد الأدنى للأجر الشهري.

إن ارتفاع ضريبة القيمة المضافة ( + 3 % على المنتجات الأكثر استهلاكاً كالغاز ، كهرباء، مواصلات ، كتب ، أدوية ، غير مسددة ) ستؤدي بالضرورة إلى انخفاض في النشاط الاقتصادي.

في الحقيقة ، إن انخفاض القدرة الشرائية سيترجم بشكل تلقائي بانخفاض الاستهلاك و أيضاً بانخفاض الإنتاج، مما سيؤدي إلى زيادة نسبة البطالة، و بالتالي إلى انخفاض موارد الدولة من الضرائب و ارتفاع نفقات إعانات البطالة .

و من ناحية ثانية ، فإن هذه الخطة تشمل 20 % من اقتصاد البلد فقط ، حيث أن المصدر من الإنتاج الفرنسي لا يمثل سوى خمس الثروة المنتجة. إن 80% من إنتاج البلد يكون للاستهلاك المحلي و سيتأثر بارتفاع ضريبة القيمة المضافة .

وفقاً للحكومة ، إن هذه الهدية  أي الإعفاء الضريبي من 20 مليار يورو الممنوح للشركات الكبيرة، يسمح بخلق 300 ألف وظيفة في فرنسا بين عامي 2012 و 2017 ، ومع ذلك لا يوجد أي يقين في هذا الشأن . و من ناحية أخرى، هذا التصريح يتناقض بشكل كبير مع المنطق الاقتصادي .

في الواقع ، و باعتراف دقيق للأرقام ، فإن هذا يعني أن كلفة كل وظيفة تم إيجادها هو 67 ألف يورو ،ولكن إن خلق وظيفة من ( معلمين ، ممرضين، أو موظف في الشركات الحكومية، أو للصرف على شخص كمعونة اجتماعية) ، يكلف40 ألف يورو سنويا .

و هكذا ، إذا كرست الدولة هذه ال 20 مليار يورو في الوظائف العامة سوف تنشأ 500 ألف وظيفة جديدة بشكل مؤكد، أي زيادة ب 200 ألف، سوف تساهم بشكل كبير في تحسين الخدمات العامة و الرعاية الاجتماعية للمواطنين .

إن الإجراءات التي اتخذها الرئيس فرانسوا هولاند و جان مارك ايروت ، تشكل عبثية اقتصادية محكوم عليها بالفشل ، فهي تشكل امتداداً من سياسات التقشف التي تطبق في جميع أنحاء أوروبا و التي أودت بالفئات الأشد فقراً إلى الكارثة.

ترجمة: زينة خوري