هل يمكن عقلنة الرأسمالية؟

هل يمكن عقلنة الرأسمالية؟

يلخّص البحث المعد في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية في روسيا اتجاهات التطور واحتمالاته في عام 2030 ، ويسعى البحث وفقاً لمعدّيه إلى تحديد الإحتمالات الأكثر وضوحاً، فهو يعتمد على توقع تلك الظواهر التي بدأت أول بذورها في التكون في المرحلة الراهنة، وعلى ذلك خلُص البحث إلى جملة من الممكنات في مجالات الاقتصاد والسياسة الدولية والأيديولوجيا.

يرى البحث المعد بمشاركة أكثر من 50 باحثاًفي خلاصته حول الأيديولوجيا أن أيديولجيات القرن العشرين لن تزول لكنها لن تستمر كإيديولوجيات مركزية، بالمقابل ستظهر أيديولوجيات جديدة كتلك التي تزاوج بين الفكر الديني والأفكار العلمانية المدنية .أما على صعيد العلاقات الدولية وإدارة العالم فيرى الباحث فيودور فويتولوفسكي أحد معدي التقرير أن تنشيط دور الشركات متعددة الجنسيات إضافة إلى تقوية القدرة الاقتصادية للدول النامية والدول الرائدة إقليمياً ستغير شكل منظومة الإدارة العالمية بحيث يزداد دور هذه الدول في اتخاذ القرار العالمي دون أن يلتغي دور المؤسسات الدولية، أي أن وزن هذه الدول سيزداد داخل المؤسسات الدولية مما يجعل دور المؤسسات أكثر فاعلية مع الحفاظ على الاعتبارات الوطنية لهذه الدول، وفي السياق ذاته يبقي التقرير احتمال التدخلات الخارجية في السيادة الوطنية ممكناً لكنه قد يتم وفقاً للتوازنات الدولية الجديدة وهو ماسيستدعي عملياً دوراً أوسع للأمم المتحدة لكن بعد توسيع عدد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن وتقوية هياكل هذه المؤسسة.

يرى التقرير على المستوى الاقتصادي وعلى لسان الباحث اليكسي كوزنتسوف أن لا انعطافات هامة ستحصل، فالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سيحافظان على مكانة العمالقة في الاقتصاد رغم استمرار الصين بالصعود فالمعيار الأساسي هو التكنولوجيا والابتكار والتي مازالت هذه القوى رائدة فيه رغم تراجع النمو الاقتصادي فيها.

يسير التقرير رغم كل الجهود المبذولة فيه، على مبدأ تصاعد بعض الظواهر الجديدة بعد التسليم بثباتها ونفي أية إمكانية لحدوث تطور دراماتيكي نوعي، ورغم تأكيد الباحثين أن هذا المنطق أقرب إلى المنهج العلمي ولكنه على مايبدو وقع في خانة الوصف الكمي للظواهر وفي ذلك مجانبة للمنطق العلمي الذي يأخذ بعين الاعتبار التغيرات النوعية أيضاً. إن هذا المنطق « الكمي» إن صح التعبير ينطلق وعلى مايبدو من رؤية مثالية للرأسمالية وأزمتها الأخيرة، فالتقرير مبني على أن الأزمة الأخيرة باتت قيد التجاوز وهو مايسمح برسم معالم نظام جديد، بينما تدل الكثير من المعطيات أن الأزمة مستمرة ومانشهده اليوم نهاية حقبة أو إرهاصات لمرحلة انتقالية على الأكثر، وبين هذه التصورين المتناقضين ( تصور لمرحلة جديدة والتصور لنهاية مرحلة) لانستطيع إلا تأكيد أننا مازلنا نمر في نهاية المرحلة وفيها تكون الكثير من المتغيرات مستحيلة الثبات وبالتالي يستحيل بناء أي تصور مستقبلي وفقاً للمنطق الكمي وحده.

يتعاطى التقرير مع الرأسمالية كتشكيلة اقتصادية اجتماعية سائدة ممكنة للاستمرار في حال تم تلطيف جملة التناقضات المتشكلة سواء في داخل كل دولة رأسمالية أو بين الكتل الرأسمالية المتناحرة، وفي هذا السياق رأى التقرير أنه من الممكن توازع الإدارة العالمية الجديدة سياسياً بين المراكز الرأسمالية بناء على التحاصصات الجديدة على مستوى الثروة العالمية، لم يلحظ التقرير وفقاً لهذه الفكرة أن أي تراجع لأي قوى على المستوى الدولي سياسياً يعني بالضرورة انعكاساً  اجتماعياً في الداخل مما يعني تسعير التناقض الداخلي بين القوى الاجتماعية داخل الدول الرأسمالية.

تعامل التقرير بشكل ميكانيكي بفصله بين الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وهو مايعني إغفال التقرير لأهم جانب وهو الصراع الطبقي المولّد لأي تطور سياسي أو اقتصادي، وقد كان التقرير واضحاً عندما رأى أن المحدد الأساسي للتطور اللاحق هو مستوى التطور التكنولوجي فمن يملك أرقى التكنولجيا له الأولوية في السيادة، إن هذه الفكرة ( أي التطور التكنولوجي) لا تعدو كونها أحد طرفي معادلة التطور أي أنها تتحدث عن أحد أوجه مستوى تطور القوى المنتجة  من جهة دون أن تلحظ مستوى تخلف علاقات الإنتاج في الجهة المقابلة ( توزيع الثروة المجحف نموذجاً في الولايات المتحدة) ومدى إعاقتها لتطور باقي عناصر القوى المنتجة وهو مايضع تقدم الولايات المتحدة مثلاً على المحك كما أوروبا والصين طبعاً.

على مايبدو أن التقرير رسم ليتكيف مع رؤية مثالية مضمونها إمكانية عقلنة الرأسمالية بأيديولوجيا تتجاوز الفكر الليبرالي الغربي الضيق، لتحل محلها أيديولوجيات أكثر انفتاحاً وتصالحاً فيما بينها كالإسلام السياسي في العالم العربي والأيديولوجيات القومية الصاعدة في روسيا، وفي ذلك تكريس لفكرة أن الأيدولوجيا ظاهرة محلية/عرقية الطابع معزولة عن واقعها الاقتصادي-الاجتماعي القائم في إطار تبرير استمرار الرأسمالية وإن بشكل مختلف.

آخر تعديل على الثلاثاء, 15 نيسان/أبريل 2014 13:57