المجاعة.. قد تكون انتهت رسمياً .. لكننا ما زلنا جياعاً
وكالة إنتر بريس سيرفس وكالة إنتر بريس سيرفس

المجاعة.. قد تكون انتهت رسمياً .. لكننا ما زلنا جياعاً

في ذروة المجاعة فر حوالي 400,000 من ضحاياها إلى مقديشو للحصول على المعونات وما زالوا يعيشون في مخيم خارج العاصمة.

وتعتبر الطفلة ميريام، وعمرها سنة واحدة، رمزاً للحياة في الصومال بعد المجاعة، فقد ولدت في أعقاب إعلان برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة عن حالة المجاعة في هذه الدولة بالقرن الافريقي في 20 تموز 2011،ولم تعرف ميريام حياة أخرى غير تلك التي تعيشها في مخيم بادبادو للاجئين الذي يقع على بعد 10 كيلومترات خارج عاصمة البلاد مقديشو، وميريام ضعيفة الجسم وتعاني من سوء التغذية بشكل واضح، وهي كبقية أفراد أسرتها ليس لديها ما يكفي من الغذاء لتأكله.

ومثل ضحايا المجاعة، البالغ عددهم 400,000 تقريباً والذين فروا إلى المدينة للحصول على معونات في ذروة الأزمة، ماتزال ميريام ووالداها وأشقاؤها الأربعة في أحد مخيمات اللاجئين العديدة خارج مقديشو، يعيشون في ظروف مزرية في ركن صغير تبلغ مساحته مترين مربعين فقط، وذلك في مخيم يديره أشخاص نصبوا أنفسهم مسؤولين، وكثيراً ما يتهمهم المجتمع المحلي بسرقة المساعدات.

وتقول هاوا جاما، أم مريام، لوكالة إنتر برايس سيرفس، «إننا نحصل على ما يكفي بالكاد للبقاء على قيد الحياة، لقد انتهت المجاعة، لكن الجوع لم ينتهِ بالنسبة لنا».

وتضيف جاما إن عائلتها لا تحصل إلا على 25 كيلوغراماً من الحبوب، و 25 كيلوغراماً من الطحين، و10 لترات من زيت الطعام لمدة شهر، وهذا يكفي بالكاد لإطعام هذه العائلة المكونة من سبعة أشخاص، لكنهم ليسوا وحدهم الذين يعانون من الجوع هنا.

وكما أشار برنامج الأغذية العالمي بعد سنة واحدة من إعلان المجاعة في الصومال في 20 تموز 2011، هناك مئات الآلاف من لاجئي المجاعة ممن يعيشون في مخيمات خارج العاصمة، يقولون إنهم ما زالوا يواجهون الجوع واليأس.

وقد ذهب عشرات الآلاف من الصوماليين ضحيةً للمجاعة نتيجة للجفاف الشديد. وقد وُصِفَ الجفاف السائد في منطقة القرن الافريقي برمتها بأنه الأسوأ منذ 60 عاماً، كما ضاعف من آثاره ارتفاع أسعار المواد الغذائية وعدم الاستقرار في المنطقة.

وقال برنامج الغذاء العالمي في 18 تموز إنه على الرغم من عدم وجود مجاعة حالياً في الصومال، وتحسن معدلات سوء التغذية تحسناً كبيراً خلال العام الذي انقضى، فما يزال الوضع هشاً ويمكن أن يتراجع التقدم المحرز إذا لم يستمر تقديم المعونات.

وبدورها، ذكرت وكالة الأمم المتحدة للاجئين في 18 تموز أن عدد اللاجئين الصوماليين قد تجاوز المليون.

ويضم مجمع دادبادو للاجئين في كينيا وحدها حوالي 570,000 شخصاً. ويظل 3.8 مليون شخصاً في الصومال يعانون من الأزمات وهم في حاجة ماسة للمساعدة، في حين أن ما يقدر بنحو 325,000 عدد الأطفال الذين ما زالوا يعانون من سوء التغذية الحاد. وما زالت الملاجئ المزدحمة تحيط بمشارف العاصمة مقديشو بعد مرور عام على بدء الأزمة.

لكن العيش في المخيمات مسألة صعبة، حيث يشكو اللاجئون من أن مسؤولي المخيم والمسؤولين المحليين يسرقون المعونات الغذائية ويمارسون المحاباة والمحسوبية في توزيع المعونات.

وتقول مومينو علي، وهي أم لسبعة أطفال في مخيم ساييدكا بمقديشو، لوكالة إنتر برايس سيرفس،  «أنا لا أحب الشكوى، لكنها مسألة حياة أو موت بالنسبة لنا. فالمسؤولون عن تشغيل معسكرنا لا يعطوننا كل المعونات التي نستحقها ويفضلون إعطاءها للغير، ونحن نقول ذلك لكل مسؤول أجنبي يأتي لزيارتنا، لكن لا أحد يفعل شيئاً لإنهاء معاناتنا».

ويقول محمد علي، وهو ناشط في مجال حقوق الإنسان المحلية، «المياه والصرف الصحي قليلة أيضاً في المخيمات حيث ما يزال عدد دورات المياه غير كافٍ، والمياه المنقولة للمخيم بالشاحنات لا تلبي المعايير الدولية من حيث النوعية والكمية على حد سواء».

ويضيف علي،  «أعتقد أن ما حققناه منذ إعلان المجاعة العام الماضي هو أن الناس لا يموتون الآن بسبب الجوع. لكن الجوع ما زال موجوداً، ولا توجد برامج منهجية لمساعدة اللاجئين على الوقوف على أقدامهم من خلال وضع خطط لتوليد الدخل، وإعادة هؤلاء اللاجئين إلى مجتمعاتهم الأصلية».

وقد تفاقم الوضع الغذائي نظراً لقيام وكالات المعونة الدولية بتقليص عملياتها الإنسانية بعدما أعلنت الأمم المتحدة نهاية المجاعة في شباط، وبالإضافة إلى ذلك، فقد تم اتهام وكالة إدارة الكوارث الوطنية بالحكومة الصومالية، والتي تشكلت للتعامل مع المجاعة، بأنها غير فعالة وفاسدة.

وقال عامل إغاثة محلي، طلب عدم الكشف عن هويته، لوكالة إنتر برايس سيرفس،  «الوكالة لم تكن فعالة في عملها، وهي واحدة من الوكالات التي فشلت في تلبية احتياجات الشعب وهو في أمس الحاجة إليها، الفساد منتشر على نطاق واسع بين الأجهزة الحكومية وهذه الوكالة لها حصتها من الفساد».

ويضيف أن الأمر يتعلق بـ  «طبقات من الفساد» بدءاً من الوكالات الدولية، وشركائها المحليين، والمسؤولين الحكوميين، فضلاً عمن يعملون في المخيمات، وكل ذلك يؤدي لاستمرار دائرة الجوع للاجئين المشردين.

هذا ويبحث العديد من لاجئي المجاعة عن عمل مؤقت من أجل البقاء على قيد الحياة، لكن البطالة متفشية بين عامة السكان في مقديشو، حيث تركت 20 عاماً من الحرب البنى التحتية الاقتصادية في حالة يرثى لها.

ويمكن مشاهدة الأطفال وهم يعملون في أسواق المدينة المحلية كماسحي أحذية، أو خادمات، أو في غسيل السيارات، سعيا وراء كسب لقمة العيش لإعالة أسرهم.

وزوج جاما هو واحد من الكثيرين الذين يقضون أيامهم في محاولة لإيجاد أي عمل في العاصمة، حيث لا يعرف أحداً، وحيث يصعب الحصول على أي عمل.

وتقول جاما إنها وزوجها، وكانا سابقاً من مزارعي الكفاف بمنطقة شابيل الوسطى في الصومال شمال مقديشو، إنهما يفضلان أن تساعدهم وكالات المعونة على إيجاد وسيلة مستدامة لكسب الدخل بدلاً من مجرد تقديم المعونات لهم.

وتضيف جاما وهي تحمل ميريام في حضنها، «لا نريد أن نكون ممن يعتمدون على المعونات من وكالات المعونة، والتي لا تكفينا أبداً هنا، لكنني سأكون سعيدة إذا حصلت على المساعدة في القيام بعمل يوفر المال لعائلتي، ويمكنني من العودة إلى قريتي»