الطائفية في الخليج ..
ستيركوه ميقري ستيركوه ميقري

الطائفية في الخليج ..

تتكون منطقة الخليج العربي من (8 ) دول كلها أعضاء في المؤسسات الإقليمية والقومية والدولية ، ومنذ بداية عقد الثمانينيات من القرن الماضي، شكلت هذه الدول مجلساً ضم منها (6 ) فقط دون العراق واليمن، وذلك لتطوير علاقاتها البينية وصياغة سياسات دفاعية وخارجية مشتركة، وأضحت هذه المؤسسة ( مجلس التعاون الخليجي ) من المؤسسات الشاخصة على المستويين الإقليمي والدولي .

واستناداً إلى المثل العربي القائل « إن الطيور على أشكالها تقع » فإن أنظمة الحكم في هذه الدول تتشابه إلى حد كبير ، فهي أنظمة ملكية وأميرية وسلطانية، وفي كل دولة هناك عائلة تحكم وتدير الدولة ولم يقتصر التشابه على هذه المسألة ، وإنما هناك تشابه يصل في بعض الملفات حد التطابق في خياراتها السياسية الخارجية وسياسياً تتسم هذه الأنظمة جميعها بغياب الحياة السياسية فيها، لعدم وجود الأحزاب وعدم سن قوانين لتأسيسها، أما من الناحية الاقتصادية، فاقتصاد هذه الدول الذي كان يعتمد على التجارة والزراعة والثروة البحرية تحول إلى اقتصاد ريعي يعتمد على استخراج الثروات الهائلة الكامنة في جوف أراضيها من « نفط وغاز » فتحولت هذه الدول من دول محدودة الدخل إلى دول غنية وثرية، وانفتحت هذه الدول لاستيعاب عمالة ماهرة وغير ماهرة، ودخلت أسواقها الملايين من الأيادي العاملة التي تنتمي إلى بيئات اجتماعية وقومية مختلفة، وتوسعت حركة التجارة، وازداد حجم رجال الأعمال في منطقة الخليج، وازداد دورهم الاقتصادي والتجاري.

وسياسياً واجتماعياً تعاني هذه الدول جميعها من مشكلتين أساسيتين هما الطائفية ومشكلة البدون، وهم فئة من مواطني هذه البلدان من الذين ينتمون الى الأعراق والقوميات نفسها التي جاء منها معظم شعوبها، وترفض الحكومات الاعتراف بهم كمواطنين وتحرمهم من أبسط الحقوق الإنسانية فضلاً عن الحقوق الوطنية.

لمحة عن التركيبة السكانية في

دول الخليج العربي

من المعروف أن الدين الاسلامي هو دين الدولة في كل أنظمة الخليج، أما المسيحيون فباستثناء السعودية التي ما زالت تحظر ممارسة أية شعائر دينية غير الدين الإسلامي على أراضيها، فعددهم من المواطنين قليل جداً، فعددهم في الكويت مثلا لا يتعدى الـ 250 نسمة، وكذلك اليهود في البحرين أما عدد المسيحيين الوافدين فبازدياد مستمر وصارت لهم كنائسهم الخاصة بهم في بعض الدول، أما المسلمون الذين يشكلون الغالبية الساحقة من شعوب دول الخليج فينقسمون بين السنة وهم الأغلبية فيها باستثناء البحرين حيث يشكل الشيعة ما بين 60 – 80% من عدد السكان وبين الشيعة. 

ويشكل الشيعة 10% من مجموع مواطني السعودية وكذلك هي نسبتهم في قطر، أما في الكويت فتصل نسبتهم إلى 20% من مجموع السكان وكذلك هم في دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي عمان هناك ثلاثة تكوينات مذهبية أغلبية تتبع المذهب الأباضي 70% وأقلية سنية تصل إلى حوالي 20 %  وأقلية شيعية حوالي 10% ، أما البحرين فنسبة الشيعة تصل إلى ما بين 60-80%من عدد السكان الأصليين.

أما الأباضية العمانيون  فإنهم يعتقدون أن كل من نطق بكلمة الشهادة فهو مسلم له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، فلا يستحلون دماء أحد من أهل القبلة إلا بالحق . ولا يستحلون مال أحد إلا بالطرق التي رسمتها الشريعة الإسلامية، أما قتل الأبرياء وسبي الأطفال والنساء فقد حالت دونها كلمة التوحيد، ولا يستحلون هذا حتى من البغاة مهما بالغوا في مسلكهم الظالم، فالاعتبارات التي سمي الخوارج من أجلها خوارج لا وجود لها عند الإباضية، وهذا المذهب متواجد في أغلب دول الخليج ولكن بنسب تكاد لا تذكر كما أنه متواجد في بعض الدول العربية شمال أفريقيا كتونس والجزائر.

مخاطر الفتنة الطائفية في الخليج العربي

لم تتعامل الأنظمة الحاكمة في الخليج مع مواطنيها بوصفهم مواطنين, وإنما بوصفهم ينتمون إما إلى  قبيلة أو مذهب, فأصبح الانتماء التقليدي للمواطن, هو العنوان الواقعي والحقيقي الذي يتم التعامل به معه. فالدولة في بلدان الخليج العربي, ولكونها لا تمتلك مشروعا وطنياً ولاعقداً اجتماعياً يربطها بمواطنيها, لهذا فهي عملت كبديل عن ذلك, على إبقاء الانتماءات التقليدية حية, وكانت تعالج الآثار السلبية المترتبة على بقاء انتماءات تقليدية متجاورة ، ومتوترة عن طريق اتباع سياسة الجزرة والعصا، فسياسة الجزرة تتمحور في العطاء المالي الذي يضمن ولاء شيوخ القبائل وزعماء الطوائف, مع جهد لتسيد طبقة معنية ذات ولاء ومصالح مشتركة مع الحكومات في الفضاءين القبلي والطائفي.

 أما سياسة العصا فتمحورت في السياسات والإجراءات الأمنية التي تستهدف إخماد أي صوت يطالب بإصلاح الأوضاع و بناء علاقة بين جميع المكونات على أساس المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات. وما زالت تتعامل أنظمة الخليج الملكية والأميرية والسلطانية مع رغبات هذه المجتمعات إلى الحرية والكرامة والإصلاح, بوصفها مشكلة أمنية فقط وليست سياسية على الإطلاق .

إن الاختلاف في القناعات والآراء والمواقف بين أهل المذاهب الإسلامية، حقيقة قائمة, لا يمكن نكرانها، ولا تشكل مشكلة ، لأنه من لوازم الاجتهاد وتعدد مناهج النظر في المرجعيات والأدلة الكبرى ، ولكن المشكلة الحقيقية تبدأ، حينما يعمل أحد أطراف الاختلاف أو كلاهما معاً، لحسم قضايا الاختلاف، واعتبار كل واحد منهم أن رأيه هو رأي الإسلام، ورأي الطرف الآخر خارج دائرة الإسلام،  وهذا بطبيعة الحال يقود إلى التعصب الأعمى الذي يفضي إلى ممارسة الظلم والافتئات على الطرف الآخر، مما يفاقم من الإحتقان والمشاكل بين مكونات المجتمع المختلفة .

ومع تزايد الموجة الطائفية في المنطقة العربية، إثر الحرب المعقدة في العراق، والمواجهات الحادة في لبنان بين فريقي الموالاة والمعارضة، والتي قرأت من قبل كثير من المتابعين، بوجه من الوجوه باعتبارها مواجهة ذات صبغة طائفية « سنية – شيعية » 

إن منطقة الخليج العربي تعاني من مخاطر جمة  للأحداث والتطورات الجارية في المنطقة العربية وانعكاساتها عليها، فمن جهة الحدث اليمني بكل تداعياته و مآلاته الأمنية والسياسية والإستراتيجية، ومن جهة أخرى الحدث البحريني الذي تعددت عناوينه، وتعددت المواقف حوله سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، ومن جهة ثالثة عدم الاستقرار السائد في الكويت حالياً وتداعيات وصدى هذه الأحداث والتطورات على الداخل الخليجي سواء في الوقت الراهن أو المستقبل المنظور.

وبنظرة فاحصة لتطور الأحداث في دول الخليج يتبين أن هناك  ثلاث جهات تلعب على الوتر الطائفي اليوم، الأولى أصحاب القرار« الحكام » من خلال استخدام الطائفية لتحقيق سياسة «فَرِّق تَسد » والثانية قسم من « الموالاة » لتحقيق مصالح خاصة نظراً لأن الأقلية لا تملك القرار، والثالثة الأطراف الخارجية، لأن الطائفية تتغذى من الخارج حيث هناك أجندة خارجية لخطة مرسومة تعتبر الطائفية إحدى وسائل تحقيقها.

ورد في مقال لأحد الكتاب السعوديين تحت عنوان «السنة والشيعة وسفهاء الطرفين: أضواء لا تضيء وتحرق» ذكر فيه بأن وزارة التربية والتعليم، عندما اعتمدت 45 مشرفاً تربوياً في الشرقية، لم يكن بينهم شيعي واحد والكل يعلم أن التطرف هو عنوان الوزارة دون منازع.

إن الأزمة الطائفية في دول الخليج  هدفها غير المعلن هو حرف الانظار عن المشاكل الحقيقية التي تعاني منها شعوب دول الخليج  كما يجري الآن في البحرين واليمن والكويت والمنطقة الشرقية في السعودية وبدلاً من انتقاد الظلم والتسلط والفساد السائد يتحول الأمر و  يبدو وكأنه صراع طائفي. 

وأخيراً لا بد من القول إن التغلب على الطائفية يكون بتنمية الوعي في المجتمع وتعزيز قيم الوحدة الوطنية واعتماد مبدأ المواطنة والمساواة من خلال الالتزام بالإطار العام المتمثل بالدستور وتطبيق القانون بما فيه من عدالة ومساواة بين الجميع، فكل دول العالم لديها أقليات وديانات ومذاهب مختلفة إلا أنها تجتمع تحت مظلة القانون والضمانات الأساسية، فمثلما للمواطن حقوق فإن عليه واجبات.

ولإسرائيل دون أدنى شك دور في تأجيج الطائفية في المنطقة تمهيدا لما تريد القيام به واعتبار اسرائيل دولة يهودية وبالتالي تهجير غير اليهود من الأراضي المحتلة.يضاف إلى ذلك الوعي الحقيقي بدراسة الوضع والتركيز على التعليم والإعلام وهنا تكون مسؤولية الدولة، إلى جانب تنشيط مؤسسات المجتمع المدني والرموز السياسية والاجتماعية الذين سيكونون سداً منيعاً في وجه الطائفية وسلاحاً بإمكانه الحد من مخاطرها ومنع أي تحرك طائفي مستقبلاً.