الولايات المتحدة: الصحة والضمان الاجتماعي في دائرة الخطر
كيت راندال كيت راندال

الولايات المتحدة: الصحة والضمان الاجتماعي في دائرة الخطر

بعد أسبوعين من إجراء «التخفيضات الفيدرالية» التي جرى إقرارها في الأول من آذار، بدأ تأثير الـ 85 مليار دولار – التي تم اقتطاعها – يعمّ البلاد. هذا وقد دفع فشل كل من إدارة أوباما من جهة والجمهوريين من جهة أخرى في الاتفاق على الحد من العجز الاقتصادي الذي تعيشه الولايات المتحدة، الأمريكيين لإدراك التأثير الخطير لهذا الأمر على الوظائف وإعانات البطالة والبرامج والخدمات الاجتماعية الحيوية التي يعتمد عليها الملايين منهم في حياتهم.

وقام كل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري – بعد بدء التخفيضات مباشرةً – بتقديم اقتراحاتهم للميزانية. حيث اقترح الجمهوريون خطةً تقضي باقتطاع 4.8 مليار دولار مقابل 1.8 مليار اقترحها الديمقراطيون. وتعتبر التخفيضات الحالية – من وجهة نظر القائمين على كلا الاقتراحين – بمثابة نقطة انطلاق نحو إجراء تخفيضات أخرى أكثر عمقاً. كما أن كلاً من الحزبين قام – مستبقاً الأمور – بالتحضير لشن هجوم واسع على قطاع الرعاية الصحية والبرامج التقاعدية والتي أفْلت قسم منها من عملية الاقتطاع الحالية.

«الدفاع» على رأس التخفيضات

بالعودة إلى التخفيضات الحالية، فقد نصّت على تخفيض الانفاق الفيدرالي العام بمقدار 85 مليار دولار خلال السنة المالية الحالية والتي تنتهي في الثلاثين من أيلول القادم، ليصل مجموع الاقتطاعات السنوية المماثلة إلى 1.8 تريليون دولار خلال عشر السنوات المقبلة.

وتتضمن التخفيضات الحالية اقتطاع 42.7 مليار من النفقات الدفاعية (بمعدل 7.9% منها)، و28 ملياراً من النفقات غير الدفاعية (بمعدل 5.3% منها)، و 99 ملياراً من نفقات الرعاية الصحية (بمعدل 2% منها)، و 4 مليارات من النفقات الإلزامية الأخرى (بمعدل 5.9% منها). في الوقت الذي أعفيت فيه قطاعات الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي والرفاهية وقسائم الغذاء* من الاقتطاع السنوي، فإن الاقتطاعات التي تستهدف برامج اجتماعية حيوية أخرى يستفيد منها العاملون والفقراء، ستترك آثاراً مدمرة. حيث ستضطر الوكالات الفيدرالية والبرامج التابعة لها لتسريح أعداد من العاملين إضافة لتقليص في حجم الخدمات التي تقدمها.

جيش البطالة

وفقاً لتقديرات البيت الأبيض، فإن عدد العمال الذين سيفقدون وظائفهم سيصل إلى 750 ألف عامل. على الرغم من أن توقعات أخرى ترجّح أن يتراوح هذا العدد بين 250 ألفاً و2 مليون عامل !!

هذا ويتوقع مختصون اقتصاديون أن هذا الأمر سيؤثر على إجمالي الناتج المحلي (الوطني) لهذا العام بنسبة (0.2) نقطة مئوية. ولن يقتصر هذا التأثير على عدد الوظائف، بل سيمتد ليُحدث خفضاً في نسبة الاستهلاك إضافةً لإبطاء عملية خلق وظائف جديدة. من المحتمل أن يشهد مئات الآلاف من العاملين في وزارتي الدفاع والخزانة وإدارة سلامة النقل ووكالات فيدرالية أخرى على مدى الأسابيع والأشهر القادمة، حالات واسعة من الإجازات بلا أجر. كما أنه من الممكن أن تؤدي هذه الحالات إلى تأثير مضاعف يتجلى بعملية تسريح جماعي للعاملين في الحكومة على مستوى كل من الولاية والمدن المحلية.

في تصريحٍ لها لقناة (MSNBC) الأميركية، قالت مارتي كيسلر مديرة العلاقات الحكومية في النقابة الوطنية للتعليم : « نتوقع أن يفقد أكثر من 50 ألف معلم وظائفهم نتيجة هذه الإجراءات – المقصود هنا هو الاقتطاعات – «. ويأتي ذلك في ظل ظروف خسر فيها أكثر من 300 ألف من معلمي المدارس العامة وظائفهم منذ عام 2009 نتيجةً لسياسة التقشف التي مارستها كل من الحكومات المحلية وحكومات الولايات. هذا وأكدت كيسلر على أن الضرر الأكبر من هذه الاقتطاعات سيصيب المناطق والأحياء الأكثر فقراً في الولايات المتحدة.

لازيادة في الأجور ولا إعانات!

لقد دخلت حالة (تجميد معدل الأجور) التي يعاني منها الموظفون الفيدراليون عامها الثالث. حيث فُرض هذا التجميد لمدة عامين ابتداءً من كانون الثاني عام 2011، ثم تم تمديده لاحقاً حتى نهاية شهر آذار. وإذا أخذنا بعين الاعتبار كل من التخفيضات الحالية والمحادثات الجارية حول الميزانية، فسنجد أنه من المرجح أن يستمر هذا التجميد إلى نهاية هذه السنة على الأقل. أما بالنسبة للعمال الذين فقدوا وظائفهم قبل بدء عملية تخفيض الإنفاق، فإن التخفيضات المفروضة على برنامج تعويضات البطالة الطارئة ستصيبهم بشكل أساسي. حيث يقوم هذا البرنامج المنشأ في منتصف عام 2008 على تقديم إعانات للعاطلين - على المدى الطويل - عن العمل، والذين استنفذوا المساعدات التي كانت تقدمها لهم ولاياتهم. وبفرض أن التخفيضات ستستمر على مدار السنة كاملةً، فقد يؤثر هذا الأمر سلباً على ما يقارب الـ 3.8 مليون عامل.

حسب تقديرات إدارة أوباما، فإن خطتها للحد من الإنفاق تتطلب تخفيض 11% من إعانات البطالة الفيدرالية، أو نحو 140$ شهرياً – بشكل وسطي – من كل مستحق. وبالفعل، فقد قامت سبع ولايات بتخفيض الحد الأقصى لعدد الأسابيع (وهو 26 أسبوعاً) التي تُقدَّم فيها إعانات البطالة. إن المدة القصوى للمعونات الفيدرالية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمدة التي تقدم فيها كل ولاية مساعداتها. فالولايات التي تقدم عدداً أقل من أسابيع الإعانة، تتلقى كميةً أقل من المساعدات الفيدرالية. ففي ولاية ميشيغان – كمثال – سيشهد حوالي 75 ألف من العمال العاطلين – على المدى الطويل – عن العمل انخفاضاً في إعاناتهم الأسبوعية من 285$ إلى 254$ ابتداءً من الأول من نيسان القادم.

تقشف الأطفال!

كما ستشهد الأسر محدودة الدخل تخفيضاتٍ كبيرة في البرامج الاجتماعية التي توفر التغذية والإسكان وغيرها من الاحتياجات الأساسية. ومن الممكن أن يؤدي هذا الأمر لحرمان حوالي 775 ألف امرأة وطفل ورضيع من الخدمات التي يقدمها برنامج (WIC)**.

هذا وقد نالت إدارة الموارد والخدمات الصحية _ والتي أنفقت 7 مليارات دولار في عام 2011 لتمويل برامج صحة الأم والطفل – أيضاً نصيبها من الاقتطاعات، حيث من المتوقع أن تنخفض ميزانيتها بمقدار 365 مليون دولار، الأمر الذي سيؤدي إلى تقليل الموارد المرصودة لفحص الأطفال حديثي الولادة بحثاً عن أمراض وراثية، ولتحصينهم وتقوية مناعتهم، ولبرامج إقلاع النساء الحوامل عن التدخين إضافةً لخدمات عديدة أخرى. ناهيك عن اقتطاع تصل قيمته إلى 1.5 مليار دولار من ميزانية المعهد الوطني للصحة. الأمر الذي سينتج عنه إبطاء أو إيقاف لعمل مراكز البحوث في جميع أنحاء البلاد، فضلاً عن تخفيض لفرص العمل في هذه المؤسسات ومثيلاتها.


• نقلاً عن موقع Globalresearch.ca

هوامش :

(*)  قسائم الغذاء : قسائم تمنحها الحكومة لشراء المواد الغذائية وهي مخصصة لذوي الدخل المحدود.
(**) WIC هو برنامج حكومي يؤمّن التغذية السليمة والصحية للأمهات الفقيرات وأطفالهن.