الأسرى في عين العاصفة
لم ينتظر الفلسطينيون السابع عشر من إبريل/ نيسان «يوم الأسير الفلسطيني» لتجديد إعلانهم بالتضامن مع مايقارب من 4800 أسير وأسيرة، يعانون خلف قضبان المعتقلات الفاشية لحكومة العدو الصهيوني
فقد وضعت حادثة استشهاد القائد أبو حمدية قضية الأسرى من جديد كبند أول في مهمات الحراك السياسي/المجتمعي داخل فلسطين المحتلة وخارجها. الاعتقالات أصبحت جزءاً من الحياة اليومية للشعب العربي الفلسطيني. فقد دخل المعتقلات ومراكز التحقيق الصهيونية أكثر من ثمانمائة ألف مواطن.إن كل عائلة فلسطينية على امتداد فلسطين التاريخية، لديها أسير أو محرر أو مطارد. وقد شهد الربع الأول من العام الحالي ارتفاعاً واضحاً في عدد حالات الاعتقال، حيث سُجلت 1070 حالة اعتقال، بينما سُجل خلال الفترة نفسها من العام الماضي 987 حالة اعتقال.
جاء استشهاد الأسير ميسرة أبو حمدية داخل مسالخ الموت _مستوصفات ومشافي السجون_ليسلط الضوء مجدداً على سياسة القتل/الإعدام البطيء بحق المعتقلين المرضى الذين تقدر أعدادهم بحوالي 1400 أسير نتيجة الإهمال المتعمد للوضع الصحي لهم. أبو حمدية، الذي كان مصاباً بسرطان الحنجرة؛ وبسبب إهمال مصلحة السجون لعلاجه - كما أكد رامي العلمي محامي وزارة الأسرى، الذي كان يتابع وضع الأسير الشهيد - فإن قرار القتل البطيء قد بدأ تنفيذه من خلال هذه الممارسات كما يقول المحامي» بعد ضغوطات على إدارة السجن تمت الموافقة على خروجه إلى المستشفى وتم تأجيل ذلك عدة شهور، وعندما خرج أخيراً إلى مستشفى سوروكا تفاجأ ميسرة بأن الطبيب أبلغه أنه تم إحضاره إلى المستشفى بسبب ضعف في عينيه وليس بسبب ما يعانيه من آلام في الرئة والحنجرة والقفص الصدري وتمت إعادته إلى سجن رامون دون إجراء أية فحوصات له، وخلال هذه الفترة من المماطلة تصاعدت آلامه وهبط وزنه حوال 14 كغم «. اكتفت إدارة السجن بالمراقبة، إلى أن تمكّن منه المرض حتى وصل إلى النخاع الشوكي لديه، ليرتقي شهيداً، بعدما مكث في السجن أحد عشر عاماً من أصل تسعة وتسعين عاماً أخرى، كان من المفترض أن يقضيها بموجب الحكم الصادر بحقه عام 2002، بتهمة المشاركة في الانتفاضة الثانية.
أعادت حادثة الاستشهاد الجديدة - ليست الأولى ولن تكون الأخيرة - وضع الأسرى في رأس المهام الوطنية الملحة، خاصة، وأن جماهير الشعب كانت قد شيعت قبل شهر ونصف جثمان الشهيد عرفات جرادات الذي قضى تحت التعذيب. هذه الجماهير التي قدمت دماءها في معارك التضامن مع الأسرى، أكدته قبل أيام باستشهاد الشابين «عامر نصار وناجي بلبيسي» في مواجهات الغضب الشعبي المتصاعد على استشهاد أبو حمدية عند حاجز «عناب» الاحتلالي قرب مدينة طولكرم المحتلة. إن موجات الحراك الشعبي المتنامي في مواجهة إجراءات الاحتلال وقوانينه التعسفية، اتسعت لتطال تباطؤ إجراءات سلطة الحكم الذاتي المحدود في الرد على جرائم القتل بحق الأسرى، هذه الإجراءات التي لم تتعد عبارات «التنديد» بممارسات الاحتلال، و»تحميل المسؤولية « لحكومة نتنياهو، التي تدفع بالأوضاع لحافة الهاوية، التي يخشى مسؤولو تلك السلطة، وصولها لانتفاضة شعبية واسعة، تعيد الاشتباك المباشر والمتواصل مع المحتل، منهية سنوات الهدوء «النسبي»مع وجوده وهيمنته، كخطوة ضرورية على طريق توجيه البوصلة مجدداً نحو تحرير الوطن. إن تطوير الحالة الشعبية وتعزيز زخمها، وتجذير مطالبها الوطنية، أصبح برنامج العمل اليومي لقطاعات شبابية واسعة، تدلل عليها المظاهرات المتتالية على مدى الأشهر الأخيرة، سواء في مواجهة قوات الاحتلال أو مع سياسات سلطة رام الله البوليسية القمعية، أو الاقتصادية / الاجتماعية.
في ظل هذا الانخراط الجماهيري الواسع، لابد من تحرك سريع تقوم به كل المنظمات الحقوقية والسياسية والأهلية داخل الوطن وخارجه، يستهدف المؤسسات الإقليمية والدولية ذات الصلة، من أجل فضح القوانين والممارسات التي تتبعها حكومة العدو بحق الأسرى والمعتقلين الإداريين. إن العمل على إطلاق حملة واسعة داخل المنظمات الحقوقية العالمية، سيشكل عامل ضغط على حكومة العدو لتجاهلها أبسط الحقوق الإنسانية في تعاملها مع الأسرى. لكن الذي يجب أن لايغيب عن عقل ومشاعر المواطن الفلسطيني والعربي الذي يعمل في حملة التضامن تلك، أن ماحققته عمليات مثل» النورس والوفاء للأحرار» في تحرير العديد من الأسرى والأسيرات، هو النهج الأكثر فاعلية في خروج المعتقلين للحرية.